الدور الأسري في حماية الأبناء من مخاطر التكنولوجيا
أبرار بنت ناصر الحضرمية
لكل عصر وزمان أدواته وسماته المختلفة، ولعل الوسائل الحديثة المتمثلة في تكنولوجيا الاتصال الحديثة والإنترنت باتت أهم أدوات عالمنا الحالي، الأمر الذي يحتم علينا التعامل مع الواقع والتوافق معه بما يحمله من مميزات وعيوب، دون المحاولة في تجاهل معطيات هذا العصر.
ومن أهم مخاطر هذه التكنولوجيا هي تلك التأثيرات السلبية على الأطفال والمراهقين ، جراء الاستخدام السيء لهذه التكنولوجيا سواء استخدامهم للإنترنت ، أو مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة ،التي أصبحث تحوي الغث والسمين، وتعد هذه التطبيقات الأكثر استخداما ،والتي يميل وينجذب لها الطفل والمراهق على حد سواء؛ لما تحتويه من مواضيع جذابة ومتنوعة، يتناسب بعضها مع طبيعة واحتياجات واهتمامات هذه الفئة العمرية، ولكن في المقابل فإن ترك الطفل والمراهق دون أية متابعة أو رقابة قد يجعله يقع في المحظور.
وتعتبر الأسرة مؤسسة اجتماعية، تمثل النواة الصغيرة والأولى للمجتمع ، وأول محطة تنشئة اجتماعية لأفرادها، فهي حجر الزاوية في أي بناء اجتماعي ؛ باعتبارها نقطة الارتكاز التي ترتكز عليها مؤسسات المجتمع المختلفة؛ فهي مصدر: العادات ، والتقاليد ، والقيم ،وقواعد السلوك ، والآداب العامة ،كما أن لها دور كبير في غرس القيم الدينية، وإشباع الحاجات الأساسية للأبناء، وتوفير الدعم المعنوي والمادي اللازم لهم ، وتساهم كذلك في الرقابة الغير مباشرة ،والضبط الاجتماعي الذي يعتبر سمة ملازمة لكافة المجتمعات، التي تحافظ على قواعد السلوك للأفراد، والتي تنظم أيضا أشكال التعامل مع الآخرين ،وتجعل الأفراد أكثر تكيفا والتزاما بالقانون ،مما يجنبهم ارتكاب السلوكيات المنافية للأخلاق .
ولا يخفى على أحد القضايا التي باتت تزداد في الآونة الأخيرة، المتعلقة بتعرض بعض من الأطفال والمراهقين لحالات الابتزاز الإلكتروني، والتنمر، والنصب، والاحتيال، وغيرها الكثير من المشكلات التي أصبح تأثيرها لا يقتصر فقط على الطفل بل يمتد تأثيرها إلى الحالة النفسية لأفراد الأسرة، والترابط الأسري وعلى العلاقات الاجتماعية بشكل عام .
ولا يمكن أن نرمي باللوم على كاهل الأسرة بشكل كامل وإنما يتداخل دورها مع الأدوار التي تقوم بها المؤسسات المختلفة الرسمية والغير رسمية ،وتتمثل : بالمؤسسات التعليمية، والقضاء، ودور العبادة، والأصدقاء، والأقارب، وغيرها الكثير من المؤسسات .
ولكن نحن في صدد الحديث على دور الأسرة الذي تراجع مؤخرا بشكل كبير، كما أن المساحة المخصصة للأسرة والتي يفترض أن تمارس فيها دورها ووظائفها النفسية،والاجتماعية اتجاه أفرادها بدأت تتناقص تدريجيا ، فأدوار الأسرة لم تعد مقتصرة على مجرد توفير المأكل والملبس والمسكن ، أو مجرد منع الضرر ،وإنما لها دور وقائي وأخلاقي في المقام الأول ، ولكن للأسف لا يزال الأباء والأمهات غير مدركين لمخاطر التكنولوجيا التي يتعرض لها أطفالهم .
ولكن السؤال الآن الذي تطرحه الأسرة هل نمنع استخدام الهواتف وأجهزة الكمبيوتر في المنزل أم أننا نترك للأبناء الحبل على الغارب؟ ولكن برأيي أننا يجب أن نكون متوازيين بين الأمرين فمن المستحيل منع الأبناء من استخدام هذه الوسائل؛ لأنها من متطلبات الحياة العصرية، ولكن لابد من تفعيل دور الرقابة الأسرية ، التي ستحد من خطر التأثير السلبي لهذه التقنيات الحدثية على النشئ، والروابط الأسرية ، والعمل على متابعة الأبناء متابعة دقيقة عند استخدامهم لمواقع التواصل الاجتماعي، والإنترنت.
ومن المهم أيضا الحرص على استخدامهم لتلك الأجهزة في مكان عام من المنزل ، وتفعيل دور الأم بشكل كبير، والحرص على السؤال دائما عن أبناءها ، فلا تتركهم لساعات طويلة في الغرف الخاصة ، والعمل على توعية الأبناء بمخاطر الإنترنت والمواقع المختلفة حتى لا يقعوا فريسة بيد ضعاف النفوس ، وكذلك العمل على تحديد ساعات الاستخدام لتلك الوسائل والأجهزة؛ كي لا تفقد الأسرة دورها كناقل لثقافة المجتمع، والمهارات والقيم والاتجاهات الإيجابية ، كما يجب عليها تعزيز علاقتها بأبناءها وتفعيل آلية الحوار البناء داخل الأسرة ، إضافة إلى استخدام وسائل الحماية والحجب من المواقع التي لا تتوافق مع قيم ومبادئ المجتمع والأسرة السوية ، وإرشاد الأبناء إلى أن عليهم الإبلاغ عن أي تهديدات أو محاولات ابتزاز قد يتعرضون لها من بعض الأشخاص، كما يجب تشجيع الأبناء لممارسة هوايتهم وقراءة الكتب ، والاستفادة من تلك التكنولوجيا في الحصول على المعارف في شتى المجالات.
وعلى الأسرة أن تواجه تلك التحديات والتغيرات دون أن تنحني إلى أن يلتهم الخطر أبناءها، ثم تجد نفسها عاجزة عن مواجهة المشكلات التي نسمعها كل يوم ، وأن تسعى جاهدة في ممارسة دورها في تحديد وتوجيه سلوك أفرادها، والعمل على ممارسة أدوارها التربوية كاملة حتى تصل إلى الأسرة التي تريد ويريدها المجتمع ، الأسرة الخالية من الصراعات والتوترات ، المليئة بالسعادة والرضا ، لذلك فالمسؤولية عظيمة وعلينا جميعا أن نتكاتف من أجل حماية أبناءنا من مخاطر هذه التكنولوجيا ،والسعي نحو الاستفادة منها بما يتوافق مع قيمنا ومبادئنا الإسلامية والعربية.