“ديكتاتورية” .. الرأي العام
أحمد بن سالم الفلاحي
تفرض وسائل التواصل الاجتماعي وجودها وتأثيرها كقوة فاعلة في أي وسط إجتماعي، ولذلك لن ينفك الحديث عنها، فإن استوعبنا مرحلة من مسيرة تأثيرها تأتي مرحلة أكثر قوة وتأثيرا، ولذلك فهي تمارس “التمرد” على السائد والمعتاد، وتذهب بالرأي العام إلى آفاق أبعد وأسرع، وتمارس هذا الـ “سطوة” بكل أريحية، شاءت مختلف الأوساط المتلقية لرسالتها؛ أو لم تشأ، قبلت بما تنتجه من رسائل أو لم تقبل، رضيت بمستوى التغيير التي تحدثه هذه الوسائل؛ أو لم ترض، فهي واقع ويجب – بلا تردد – التعامل مع هذا الواقع، واستيعابه، وفهمه، وهضمه أيضا، وبدون ذلك ستتعزز “ديكتاورية” الرأي العام، وستزداد قوة، ومنعة، ولن تجدي كل الوسائل التقليدية المعتادة للحد منه، ولذا يفرض هذا الواقع اليوم صورا جديدة للتعامل معه، صور تعبر عن نفسية أخرى غير التي اعتادها المعنيون، وهي الصورة التقليدية القائمة على المساومة؛ ومن ثم الإستسلام، فالصورة التي تفرضها هذه الوسائل تقوم على الحقائق الماثلة على الواقع، والمخاطبة للمنطق في كثير من الأحيان، ومقارعة الحجة بالحجة.
يقينا؛ لن يكون الـ “تنفيس” أهم النتائج المتحققة من هذه الوسائل، وإن كانت إحداها، وبالتالي عندما يتعامل مع إفرازاتها، فلا يجب أن ينظر إلى هذا الأمر، وعلى أنه تحقق وكفى، بل أن يتعامل معها بصورة جدية، لأن جمهور هذه الوسائل: عنيد، ومقاوم، ويملك الأدلة الآنية الصادمة في كثير من الاحيان حيث يكون على رأس الحدث، فجهاز الهاتف الذي يحمله بين يديه طوال الـ (24) ساعة، به وسيلة اتصال لأقصى بقعة في الأرض؛ إن كانت هناك لا تزال بقعة نائية؛ وبه آلة تصوير فورية، وبه آلة تسجيل صوتية وكتابية في آن واحد، وبه آلة طباعة، وبه آلة تخزين، وبه عشرات من المواقع الألكترونية، فأنت كمتلقي لايمكنك أن تتجاهل هذا كله، ولا يمكنك أن تمارس غواية التهميش التي يلجأ إليها البعض عند مصادمتهم بالحقائق، وهذا الأمر بدوره يتطلب مرتقى عال من التعامل معه بنفس المنطق، وهو منطق الحجة بالحجة، من غيرتشنج، فالأفكار التقليدية التي سادت فترة من الزمن لم تعد اليوم مقبولة، وكما هو معلوم بالضرورة؛ أن الحروب التقيدية ولت إلى غير رجعة.
السؤال المطروح اليوم؛ هل يحتاج الرأي العام الإفتراضي إلى مستوى معين من الرشاد، وهل هناك مخاطرة يبديها البعض لعدم وصولهم إلى مستوى الرأي العام الراشد، طبعا من يؤمن بمثل هذه الاسئلة، أو تتلبسه القناعة بذلك، فهو لا يغدو كونه لم يستوعب حقيقة هذا الراي، ولذلك هناك من يساوم أو يغالب مع موضوع الوطنية؛ ويسقط هذا الرأي ومن يتبناه في مطب التهويل، أو نكران الجميل، أو النزعة التمردية، فقط ليخرج نفسه من مسؤولية تحمل أخفاقاته، أو عدم مقدرته على المناجزة أو مقارعة هذا الرأي، لأنه بالفعل “رأيا ديكتاتوريا” بإمتياز، ويستمد ديكتاتوريته أو قوته، أو صلابته، سمه ما شئت من قوة الأدلة التي يطرحها، أو من آنية وقوفه على الجرح، أو من مقارعة الحجة بالحجة، أو من هلامية شخوصه في بعض الأحيان.
تبقى هنا نقطة بالغة الأهمية في حقيقة هذا الرأي، وهي عدم الاقتراب مطلقا من مسألة الإساءة الشخصية إلى الآخر؛ كالسب، والقذف، ونشر الغسيل، لأن هناك حرمة مقدسة لأي فرد في هذا الكون، ولا يجوز أن يقترب أي شخص كان من كان من دوائر الناس الخاصة، فهذا حق مكفول؛ بموجب الشرع والعرف والقانون، حيث يجب ان يتجرد هذا الرأي من المظان الشخصية للأفراد.