نغمات هاتفية في ظل جائحة كورونا
بقلم / علي بن مبارك اليعربي
الاخصائي الاجتماعي بمدرسة مازن بن غضوبة بولاية سمائل
مع تكرار سماعنا عند مهاتفتنا لمن نرغب في التحدث إليه عبارة (بقاؤك في البيت واجب وطني لوقف انتشار فيروس كورونا. لا تخرج إلا للضرورة القصوى ) ، ينتابنا شعور بأن هذا النداء أصبح يثقل كاهلنا بحجم المسؤوليات و الأدوار الصحية منها و التربوية بالإضافة إلى الالتزام بتوفير الاحتياجات والكماليات المنزلية الملقاة على عاتقنا من ملبس ومطعم ومشرب.
و نغمة أخرى تقول لنا (خليك في البيت واحم نفسك و عائلتك من جائحة كورونا كوفيد 19) ، و أقول لك عزيزي: بقائك في البيت فرصة مواتية من أجل تحسين وتفعيل أداء مواردك البشرية ، نعم عزيزي، لا تجعل طول إقامتك بالمنزل تؤثر سلبا على علاقتك بنفسك و بمن حولك. فقط كن في دائرة الضوء وتعامل مع الوضع بحرفية متناهية و بإدارة واعية تقي مؤسستك من الإفلاس الخلقي والإعلال السلوكي ولا تنس عزيزي بأن جودة المنتج لديك من عدمه يؤثر سلبا أو إيجاباً على المنتج العام للمجتمع، فما تنتجه صناعة بشرية تتحلى بالإرادة ليس من السهل لأي كان أن يتقن إدارتها أو يجيد النقش عليها لتصبح ماركة عالمية وعلامة فارقة وسمة تميز مجتمعا عن آخر.
ولا أضنك عزيزي تعدم الوسيلة لتصبح كفاءة في إدارة مواردك البشرية، فقط كن فطنا وتوخى الحذر عند التعامل مع أفراد مكونك المؤسسي الأسري الصغير، فوجودك بينهم و لفترة لم تعتدها من قبل يجبرك على التحلي بالصبر والإناءة حيث إنك سوف تلاحظ الكثير من السلوكيات الخاطئة منها و الإيجابية وهي عرضة للإزالة و التثبيت، تعتمد فقط على كيفية التعامل مع ذلك السلوك، فالصناعة البشرية الراقية تهدف إلى تحسين الضبط الذاتي وتطويره من خلال تحسين مهارات الفرد وقدراته ومستوى استقلاليته.
ولن يتحقق لك ذلك إلا إذا أتقنت اتباع أساليب من شأنها إزالة السلوك السلبي وتثبيت السلوك الإيجابي عن طريق التوازن بين الشدة واللين. ويجب علينا نحن المربين البحث عن الاستقرار النفسي والاجتماعي والاستقلال من خلال التعامل الوسط واللين في استخدام العقاب والثواب والنصح والإرشاد مع توضيح مواضع الرفض والقبول لدى الأبناء حتى نبعدهم عن التمرد والعصيان.
ورغم صعوبة المهمة التي نقوم بها إلا أن هناك قواعد مهمة لايجاد التوازن عند تنقية الأذهان وتربية النفوس أولها القدوة فأثرها في تهذيب النفس كبير ثم الشراكة في تربية الأبناء بين الوالدين و تجنب الازدواجية فأحدهما يكمل الآخر فيما يتخذ من قرارات تتعلق بالبناء النفسي والسلوك الاجتماعي للأبناء، كما يجب علينا عزيزي التعرف على احتياجاتهم ومشكلاتهم الخاصة ليسهل عليك التوصل إلى تحسين الضبط الذاتي وتطويره ليصلوا إلى مستوى جيد من الصحة النفسية. كما من الضروري جدا عزيزي إشعارهم بالتقدير والاحترام خاصة أمام الآخرين، فلا تسخر منهم ولا تفصح عن أخطائهم وأسرارهم حتى لا يضعف ذلك الثقة بالنفس لديهم مما يؤدي إلى إضعاف شخصيتهم، كما يجب علينا تعزيز علاقتنا بهم ومصاحبتهم وإشعارهم بالمَودة والعطف والحنان ومشاركتهم أفكارهم وطموحاتهم ومشاكلهم.
وقد نغفل أمورا نحسبها غير مهمة أو نعتقد بأننا الأدرى والأكثر معرفة بما يناسبهم من المأكل والمشرب وما يليق بهم ارتداؤه، لا، عزيزي، بل اجعل لهم اختيار ما يناسبهم من ذلك، وكن في موضع الثواب صادقا حذقا، لا تعد بما لا تستطيع تقديمه لهم، وكذا في موضع العقاب حازما دون قسوة، وكما قيل بأن الحزم لا يتنافى مع اللين وأن بين الحزم والقسوة شعرة لا يدركها الناس، وبين اللين والضعف مساحة قلما يستطيع من لان أن لا يدخلها. وعليك بالصبر في التربية لأنها عملية شاقة و لا يعني الصبر أن تتحمل المصائب و تكون ردة فعلك سلبية تجاهها بل أن تكون بعيد النظر بحيث تثق بالنتيجة النهائية التي ستتمخض عنها، بمعنى أن تنظر إلى الشوكة وترى من خلالها الوردة و تنظر إلى الليل وتدرك بأن الفجر قادم لا محالة. وإياك أن تكون قصير النظر نفاد الصبر بحيث لا تتمكن من رؤية النتيجة النهائية، واحذر عزيزي أن تبرر شدة العقوبة التي قد توقعها بأبنائك بذكر أخطائهم السابقة لأنك ستشعرهم بحقدك تجاههم و يدركون حينها بأن هدفك السيطرة عليهم لا تهذيبهم وتعديل سلوكهم وسينعكس حقدهم هذا عليك حقدهم على المجتمع بأسره مما يؤدي إلى خفض الإنتاجية لديهم
.
لهذا أقول لك وكما يتردد في نغمات هاتفك ولكن بصيغة أخرى (خليك في البيت وكن حذقا واعيا لما تقوم به تجاه أسرتك ومجتمعك، و لا تغضب إلا للضرورة القصوى ) .