من بستان العقير إلى جنة الخلد خالتي
راشد بن حميد الراشدي
عضو مجلس إدارة جمعية
الصحفيين العمانية
هي أمي الثانية خالتي التي ربتني كما تربي أبنائها ففي بستان خالي المزهر بمختلف الثمار والمسمى ( العقير ) كانت بداية طفولتي وأيام لهوي لا صخب ولا ضجيج سوى أصوات دبيب الحياة المجتمعة من خلق الله من حفيف الأشجار وزقزقة الطيور وأصوات الحيوانات ودخان الصباح المنبعث من حرق مخلفات الأشجار مع خرير ماء فلج بومنين المنساب في سواقي البساتين والذي يضيف هو الاخر لوتر الحياة نغما اخر يمتزج مع أصوات النساء والرجال والصبية العاملين في حقولهم .
تلك هي مشاهد الحياة التي كان ملؤها الخير والتعاضد والتعاون والألفة الجميلة بمختلف معاني الحياة السعيدة فأينما تولِّ وجهك تجد الطبيعة الزاخرة بالعطاء .
كانت يرحمها الله جواداً فيما تملك من خير فلا تمر أيام إلا وقد جاءت بخيرات من ذلك البستان إلى والدتي لكي تشاركنا ثماره وهي فرحة مسرورة بإبتسامتها العذبة دائماً .
كانت كالنحلة دائمة العمل وفعل الخير محبوبةً ممن حولها من الأهل والأصحاب دائمة البر للجميع خاصة أرحامها فهي تبذل الغالي والتفيس في مساعدة الجميع والتعاون معهم وكانت دائمة الحمد والشكر لله في سرَّائها وضرَّائها يرحمها الله .
صاحبة الخير والمعروف في كل بيت تزوره منذ عرفتها فقد كانت تأتي إلى بيتنا أيام كنت في مرحل التعليم المدرسي وتشمر عن يديها لتقوم بجميع أعمال المنزل منذ الصباح الباكر وخاصة عندما تكون والدتي مريضةً أو متعبة وعندما تنتهي تذهب لأعمال بيتها .
كبرنا وكبرت أحلامنا وأمالنا وتحقق الخير الذي كتبه الله لنا في هذه الدنيا وخالتي يرحمها الله على ديدنها من الإحسان والصدق مع الله في مرضاته والعمل على طاعته وحتى أيامها الأخيرة لا زالت تدخل معظم بيوت من تزورهم من رحمٍ وجار
وعلى رغم غصة الفراق إلا أننا نعزي أنفسنا في خلفها الذين وفقها الله في تربيتهم من أبناء صالحين سيسجلون لها في دفاتر الملائكة مابقى لها من حسنات فهم خير خلف لخير سلف .
فلا زلت أذكر ذلك البستان الذي ترعرعت فيه إلى اليوم وجحلة الطين التي كنت أشرب منها وعطف خالتي علي وإخوتي ومداد الخير الذي كان ينساب من كرمها وجودها وأفعالها الطيبة ليبدلها الله بإذنه ورحمته جنات خلد التي وعد الله بها عباده المتقين ولا نزكي في الله أحداً فهو القادر على كل شيء وهو السميع المجيب …..
واليوم ندعوا الله أن يكون مثواك الجنة بإذنه تعالى فمن بستان العقير العامر بالخير الى جنة الخلد لك خالتي العزيزة فلقد بكيناك بالأمس أماً وودعناك لمثواك الأخير بهدوء كما رحلت بهدوء وبدون ضجيج داعين الله أن نلتقي مع الأحبة جميعاً تحت مظلة الرحمن وفي رياض الصالحين وحسن أولئك رفيقا .