الماضي الجميل
إلهام السيابية
جلست حنين على شرفة المنزل
وهي تتأمل أبنائها الصغار يلعبون في الحديقة المقابلة لبيتها، وعيناها لا تغيب عنهم، تستطيع أن تسمع أصواتهم يلعبون ويمرحون ويتضاحكون بشفافية وصدق .
تراكضوا لأبيهم القادم من المسجد بعد أداء صلاة العصر وهم يطالبونه بالمال للذهاب للبقالة الملاصقة للمسجد لشراء الحلويات ، ويبدو أنه أرضاهم بالقليل، لكي لا يكثروا الصراخ حولها ، وأخذوا بحضنه وتقببله بشكل عفوي وتراكضوا للبقالة بينما نظر إليهم بابتسامة رضى واقترب من حنين وهو يضحك لدرجة القهقهة و ابتسامة حلوة وهو يقول : أتريدين شيئا لاحضره لك فأشارت براسها بلا ،وجلس بجانبها وهو يقول:
لو أن أبي الآن في مكاني لوجد أطفالي ضربا مثلجا، وأخذ بسرد الذكريات الجميلة للأيام القديمة التي عايشها في بيت العائلة القديم ، والكثير من الطرائف التي حدثت معه منذ الصغر وزمن الشباب مع والده وإخوته ، تذكر تجمع الناس الذين كانوا يأتون لبيتهم الصغير، الذي أطلقت عليه حنين بالنزل، لأنه كان محطة لكل عابر سبيل يأوي البعيد والقريب، الأهل والمعارف الذين يأتون من منطقة بعيدة ويحتاجون لعدة أيام لإنهاء وتخليص مستلزماتهَم ومراجعاتهم للمشفى وتخليص متطلبات أهلهم ، وبالرغم من ضآلة البيت وصغره، إلا أنه يحوي الجميع بكل محبة وألفة، لا يشعر الغريب بالغربه ولا أهل البيت بالضيق لأنهم يتعرفون دوما على أناس مختلفين في الطباع والأخلاق، فنجدهم مرحبين بالضيف، ينامون في أي مكان فارغ ولو كان صغيرا، و أحيانا كثيرة لا يجد مكانا ليضعوا فيه أقدامهم ، ويأتي الخير مع أصحابة، فيكثر اللحم والفواكه طيلة الأيام، ولأنهم يعيشون في حارة قديمة كان أغلب الصغار يتجمعون أمام البيت يلعبون .
كم من حكايات مفرحة ومضحكة ومحزنة كانت تسرد عليهم
(أحلى الأيام) قالها زوجها بكل فخر وهو يكمل : مع كثرة الأولاد في العائلة اضطررنا للاعتماد على أنفسنا، من جلي وغسيل ثياب وتنظيف وكل شيء، فكانت والدتنا لا تستطيع أن تقوم بكل العمل لوحدها بالإضافة إلى الضيوف الذين يفاجئوننا بين لحظة وأخرى.
كان عمل امي مرهق جدا فهي تحمل الماء من مسافات بعيدة في جرتين تحملها لمسافة طويلة لتصل للبيت منهكة متعبة، أما الآن الماء متوفر في البيوت عن طريق الأنابيب المنزلية، كل شيء تغير، دائما أتذكر رائحة خبز أمي وهي تخبزه على الطوبج ونحن نتجمع حولها كل بكوب الشاي، وبعد أن ينتهي يقوم بغسل كوبه ليستطيع آخر استخدامه.
ارتشف كوبه بتلذذ وهو يقول :
لا حرمني الله من هذه اليد المباركة جعلها الله في الخير دائما، سلمت يداك يا زوجتي الحبيبة.
ذكريات جميلة مرت كمر السحاب، وعشناها بحلوها ومرها، وكنا بسطاء في العيش، سعداء بما عندنا، رحم الله تلكم الأيام الخوالي، وجزا الله عنا خير الجزاء والدينا، وبارك في أعمارهم وحياتهم.