2024
Adsense
مقالات صحفية

باختصار قابوس تاريخ وحضارة

 

خميس بن محسن البادي

من هو قابوس الذي تعلق به العمانيين وحزنوا كثيراً على مفارقته للفانية برحيله إلى الباقية… قابوس الإنسان صاحب الحكمة والحنكة والنظر الثاقب والقلب الحنون، قابوس الذي لا نقول أنه أسس عُمان لأن عُمان.. (لعلم المتجاهل عن خبث و دناءة)، أساسها كان منذ ما قبل التاريخ، ولكن نقول أعاد إخراجها من غياهب الظلام والنسيان فوحّد صف أبنائها بالتعايش السلمي بينهم بعيداً عن الطائفية والمذهبية أو تغليب قبيلة على أخرى، ونظّم مؤسساتها وسنّ قوانينها وسخّر خيراتها لإعمارها ورفعة شأن مواطنيها ورغد عيشهم، ونقلها إلى مصاف الدول في مختلف أصقاع العالم، في الوقت الذي حافظ فيه على عادات وتقاليد المجتمع العماني، بل وحث على ذلك مع عدم التفريط أيضاً في أصالة وحضارة وتاريخ عُمان عبر عصورها الماضية،، قابوس الذي يعرف قدره ومكانته من عاشوا من العمانيين حياة ما قبل قابوس،، العمانيين الذين أذاقتهم ظروف الحياة، شظفها من الغربة، وضنك العيش، وقسوة البيئة والمجتمع الذي كان البقاء فيه للأقوى،، حيث بقابوس الإنسان جاء المخاض للبلاد عامة من جنوبها فتولّد الأمل بحياة أفضل وعد بها الراحل طيّب الله ثراه،، فأوفى الوعد وقد دعى الجميع للمساعدة للعيش لحياةٍ ومستقبلٍ مشرقين لغدٍ أفضل وهو ما كان وتحقق فعلاً،، قابوس الذي قُبيل حكمه وعنده وبُعيده وُلد جيلاً من العمانيين لم يعوا من الظروف والمعاناة وبداية تنظيم مؤسسات الدولة شيئاً، بل ببلوغهم سن المدرسة وجدوا أنفسهم على مقاعد الدراسة بين جدرانٍ أغلبها من سعف وجريد النخيل وخيامٍ من القماش وحتى تحت ظلال الشجر، وهو الهم الأول الذي كان يشغل السلطان الراحل في بداية حكمه للبلد،، ليقينه المطلق أن التعليم هو أساس التنمية وأن المواطن العماني هو غايتها في ذلك، حيث وجد ذلك الجيل ذاته، وهم ينشدون سلام وطنهم كل صباح ويختموه بيعيش جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، لينتظم بعد ذلك الطلبة على مقاعد غرف الدراسة حيث يفتح كل منهم كتابه لتقابله صورة قائده الذي هيّأ له تلك الفرصة لينهل من العلم والمعرفة وفق ما تسمح ظروفه وما يمكنه من ذلك، وعند الاستراحةالدارسية يدس البعض منهم يده في جيب دشداشته أو معطفه يخرج منه مصروفه ليبتاع له به وجبة من مقصف المدرسة بما لديه من مال طبع عليه صورة السلطان الراحل،، نما هذا الجيل على هذا النمط والنهج، في وقت لم تُهيّأ له بعد كامل متطلبات حياته في عموم البلاد وخاصةً سكان القرى والبلدات والأرياف، ولكن دافعهم للعلم والمعرفة بتشجيع القائد الراحل لهم ووقوفه على ذلك شخصياً كان حافزاً مشجّعاً نحو التقدم ونيل مراتب متقدمة من التعليم الدراسي ولتترسخ في نفوسهم مكانة السلطان الشاب حينها الذي مضت به السنين مع هذا الجيل،، ليأتي بعد ذلك جيلاً وقد حظت البلاد بتنمية مختلفة وتطوّر مضطرد، استقى هذا الجيل من سابقه عمن يكون قابوس، وهلمّ جرا،، حتى صار كل عماني يعرف قدر ومكانة قابوس لديه.. لأن خلقه وحسن تعامله رحمة الله تعالى عليه كسبت قلوب ليس العمانيين فحسب بل حتى الأجانب،، قابوس الذي كان يجوب فيافي وأودية وكافة ربوع عُمان يتلمس حاجة الوطن والمواطن من خلال جولاته السنوية في الولايات،، قابوس الذي اعتاد بصوته الرخيم المميز أن ينادي مواطنيه من خلال خطاباته الدورية في المناسبات الوطنية المختلفة ب( أيها المواطنين الأعزاء) حيث يعدهم بما يبهجهم ويفرحهم،،
قابوس الذي عابه البعض في ذاته فعفى عنهم رغم وضوح التجريم القانوني للمعيب في ذات جلالته،، قابوس الذي عفى عن البعض ممن سوّلت لهم أنفسهم أن يخطئوا الخطأ الجسيم في حق وطنهم وصل بعض هذه الأخطاء إلى الخيانة السياسية والأمنية وهو فقط من يملك قرار وقف أو تنفيذ ما أقرّه القضاء بحقهم من عقوبات، وبذلك تأبى طيبة قلبه الحاني كأب للجميع إلا أن يتدخل في ما يملك من صلاحيات،، حيث إما الإعفاء الكامل من العقوبة أو تخفيضها،، قابوس الذي لم يحبذ عقوبة الإعدام في حق المواطن وغير المواطن متى ما وجد إلى ذلك سبيلا، رغم إجازتها وفقاً للشرع و المشرّع،، قابوس الذي سعى للسلام مع مختلف دول العالم وأقام علاقات دبلوماسية مع الكثير منها،، قابوس الذي انتهج منهج النأي بالبلاد والشعب عن كل ما ينغص عليهم الأمن والسلام والطمأنينة سواء مع دول الجوار أو غيرها، والإنغماس فقط في كل ما من شأنه رفعة قدر عُمان وأبنائها،، قابوس الذي لم تتلوّث يداه بدم إنسان أكان في الخارج أم الداخل،، قابوس الذي رام أن تكون كل الأقطار على الكرة الأرضية صديقةً لعُمان،، عُمان الخير و السلام و المحبة،، قابوس الذي أبهر الجميع حتى وهو في أزمته الصحية حيث كان حريصاً على عُمان وشعبها فأمّنهما بوصية مغلّفة تفتح بعد مماته، وهو ما حدث فعلاً،، قابوس الذي أوصى برمزية جنازته ولحده اللذين اقتصرتا على العمانيين رغبةً منه بعدم تكبيد الآخرين عناء السفر العاجل من جهة، ومن جهة أخرى علمه التام بولاء مواطنيه له ورغبتهم القيام بهذه المهمة منفردين بها نحو جثمانه الطاهر ومراسم الدفن،، طيّب الله ثراه،، قابوس الذي تجلّى عند مماته كم التعازي التي انهلّت من أصقاع العالم إلى الشعب العماني قاطبةً،، قابوس الذي صلّت عليه كل بلده عمانية صلاة الغائب وكل ولاية من ولايات عُمان أقامت عزاءً لوفاته،، قابوس الذي اكتضت مقبرته بالعمانيين للدعاء له منذ اليوم الأول من مواراته الثرى،، قابوس الذي لأجل مماته نكّست دولاً بيارقها بعضها للمرة الأولى تجعل أعلامها ترفرف من منتصف سواريها بل وأعلن بعضها الحداد لذلك للمرة الأولى أيضاً، لأن الراحل هنا هو قابوس،، هذا هو قابوس الذي لن ولن ولن ينساه العمانيين، إنه السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور آل سعيد،، طيّب الله ثراه وآجره وأكرم مثواه..
تُرى هل سيعي الناعقون الذين نفثوا مدادهم النتن بأناملهم القذرة نحو قابوس وبلده ومواطنيه،، آمل ذلك عن رغبة صادقة وأكيدة،، بل آمل أن يصلهم هذا القول حتى يعوا أن نعيقهم ما هو إلا حبة فشار تفرقعت،، فالآن لماذا زبدهم ذهب جفاءً رغم وفرة وكثرة ما نعقوا به، إننا نقول لهم،، لقد أفرغتم زبد رغيكم في قربٍ مخرومة، وأنه لا يعدو كونه حبة ذرة تفرقعت على وقع حرارة الغل والحقد اللذين تكنه صدوركم الحاسدة، و هو لا يغني ولا يسمن من جوع مهما فرقعتم ونفثتم،، فلتذهبوا ونعيقكم إلى حيث شئتم لأنه لن يلتفت إليكم إلا من هم على شاكلتكم من أصحاب الرؤوس المجوّفة فوق أعناقهم.. لأن العمانيين خريجي المدرسة القابوسية محصنين بالأخلاق النبوية الشريفة، والتعاضد والتكاتف والتآزر في السراء والضراء،، فموتوا بغيظكم أيها المغرضين المخرّبين،، لأن عُمان عصية عليكم وبعيدة المنال عنكم،، شكراً جزيلاً لكل من واسى عُمان في مصابها الجلل و جزاكم الله خير الجزاء… والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights