أكثر من مئة يوم من الحرب

بلقيس البوسعيدية
أكثر من مائة يوم من القصف المتواصل، والإبادة، والتجويع، والتهجير القسريّ، وما زالت الحرب في غزة قائمة، ما زال الناس في الخيام عالقين بين الحياة والموت، يصرخون ويستغيثون ويستنجدون ويذرفون الدموع، ويتألمون من شدة الجوع والبرد، ويفتّشون في الظلمة الحالكة عن رغيف خبز يسدّ جوع بطونهم، أو قطرة ماء تنعش أرواحهم، ما زالت الأمّ المفجوعة تركض في الشوارع حافيةً بحثاً عن طفلها الضائع، وما زال الشيخ البائس يجلس على قارعة الطريق بانتظار يدٍ تُمدّ إليه لتعينه على الوقوف بكل ذلك الثقل الجاثم على صدره، ما زال الأب المكلوم يربّي في قلوب صغاره الأمل بأن العودة إلى الدار باتت وشيكة.
ما زالت جثث الشهداء ترقد في المستشفيات وفي الطرقات وفي الملاعب وفي الأراضي الفارغة، ما زال القصف يهدم بيوت المساكين وأحلامهم ويقتلع الاطمئنان من قلوبهم ويطفئ بريق الأمل في أعينهم. ما زالت طفلة الرابعة من العمر تنتظر بشغف على باب الخيمة المفتوح عودة والدها الشهيد، وما زالت حناجر الرجال ترسل صرخات الأسى نحو المدى المجهول بحثاً عن أُذُنٍ صاغية واعية. ما زالت الصواريخ تزلزل الأرض تحت أقدامهم وتبثّ الرعب في نفوسهم.
على عينيك ألّا تعتاد بشاعة المشهد، على قلبك أن يبقى غاضباً لأجلهم، على ضميرك أن يبقى يقظاً دامياً، ملتهباً، وأن يصرخ طلباً لوقف حرب الإبادة الجائرة التي يتعرضون لها.
احمِل حزنهم، آلامهم، وغضبهم في صدرك واصرخ ملء رئتيك، دع العالم النائم يستيقظ على صوتك الغاضب، علّهُ يبصر الظلم والبطش ودماء الأبرياء؛ فيفهم الفرق الدقيق بين الجمادات والإنسان، علّهُ يعرف أنهم ليسوا من حجارة وحطب وغبار ليُقصَفوا ويُهجّروا ويُشرّدوا حفاةً عراةً بلا أحلام ولا آمال ولا أغطية تقيهم وأطفالهم برد الشتاء وهول الأمطار.