2024
Adsense
مقالات صحفية

القرن المرير

عبد الرزاق أحمد الحسيني

100 عام من التخبظ والفشل والكوارث مرت على العرب, منذ نهاية الحرب العالمية الأولى عام  1918. منذ تشكيل الدول الوطنية بأقلام خُطّت حدودها وفقاً لمصالح المستعمرين, ثم انطلقت كل دولة لتبني الجزء من الأرض الذي اقتُطِع لها بعيداً عن أخواتها العربيات, على مبدأ الخلاص الفردي, والبناء القطري. وصارت تقتطع من التاريخ ما يخص ذلك الجزء, تماماً مثل أخوة متفرقون يقتسمون إرث والدهم, ليس وفق الشريعة والقانون, بل وفق مصالح الغير.
ليس اتفاق سايكس بيكو وحده المعني بالأمر, فهذا الاتفاق شمل بلاد الشام والعراق فقط, أما بقية الأقطار العربية فلا علاقة له بها إلا بتشابه المستعمر. ولكن الجامع الشامل للعرب هو مرور 100 عام على الفشل والتقهقر, بعدما كانوا سادة العالم لأكثر من 1000 عام.
كل دولة عربية خطّت طريقها بعيداً عن أخواتها, فكانت النتيجة شعوباً متخلفة وأنظمةً متصارعة فيما بينها, تماماً كحال دول الطوائف في الأندلس, فلا تقدم حضاري أو صناعي أو ثقافي, بل مزيداً من الانهيار. اتخذت كل دولة نظامها الخاص في الحكم, وتقوقعت ضمن إيديولوجيات مستوردة, فلم تقدم لشعوبها الحرية والرفاهية واحترام الذات, مع أن ما يجمع بينها أكثر مما يفرقها, بل كانت تعيش ضمن وحدة سياسية وجغرافية وتاريخية واحدة, ويجمعها وحدة اللغة والدين والتكامل الاقتصادي فما الذي يمنعها من إعادة سيرتها الأولى في قيادة العالم؟
نحن نعيش في عصر التكتلات الاقتصادية, والمصالح المشتركة, بحيث تسعى الدول للتوحد سياسياً واقتصادياً لتحقيق التقدم الحضاري والعلمي, ثم تبحث عن مشتركات أخرى تساعدها على تعزيز وحدتها كالتاريخ على سبيل المثال. الاتحاد الأوروبي قام على أساس المصالح الاقتصادية رغم عدم وجود مشتركات بين دُوَلِه, بل كانت الحروب الطاحنة دَيْدَن أوروبا طيلة قرون طويلة, آخرها الحربين العالميتين, فقررت أوروبا أن تقف لتراجع التاريخ, وتتصالح مع ذاتها, لتحقيق ما تصبو إليه من تقدم, رغم اختلاف لغاتها ومعتقداتها وتاريخها, إلا أن مصالحها المشتركة تقدمت على كل ما سواها لمصلحة الجميع لتكون وحدةً اقتصادية ناجحة.
نحن العرب, ماذا ينقصنا لنكون مثل أوروبا؟
لدينا الثروات الباطنية, واليد العاملة وطاقات شابة هائلة, وأهم الممرات البحرية والبرية, إضافة لوحدة اللغة والدين والتاريخ والجغرافيا, نحن أمة تجمعنا كل عوامل النجاح لنكون أعظم الأمم, فما الذي يمنعنا من التوحد؟
فشلت كل الأنظمة القومية والمستوردة في تقديم نماذج ناجحة للدولة المتحضرة, كتلك التي أوجدتها أوروبا واليابان ما بعد الحرب العالمية الثانية, بل تصارعت الأنظمة فيما بينها, واشتعلت الحروب مع جيرانها, ورزحت الشعوب العربية تحت نير التخلف والفقر, اجتماعياً وعلمياً وصناعياً, فلم تستطع أي دولة تحقيق نهضة صناعية أو علمية, سواء بسبب سياسات الأنظمة القومية أو الاشتراكية, أو بسبب عدم التوجه نحو الصناعات الثقيلة والبحث العلمي في الدول الأخرى.
كانت نكبة فلسطين العامل الأهمّ في زيادة الكوارث على العرب, بحيث كلّفت الدول المحيطة بها استنزاف مواردها الاقتصادية والبشرية للدفاع عن نفسها بمواجهة العدو الاسرائيلي, ما أثّر سلباً على الشعوب ومزيداً من الفقر والتخلف الحضاري, بدلاً من الإنفاق على التنمية والصناعة والتعليم.
ثم جاء غزو العراق للكويت الذي أشعل المنطقة وأعادها عقوداً للوراء, سياسياً واقتصادياً واجتماعياً, على مستوى الشعوب والدول.
ثم جاء الاحتلال الأمريكي للعراق كسابقة تاريخية خطيرة, جعلت من العرب أقل الأمم شأناً ومهانةً.
وآخر ما شهدته منطقتنا من الربيع العربي وما نتج عنه من تسلط الغزاة والغلاة وظهور تنظيمات إرهابية كداعش وأخواتها التي مارست أفظع الجرائم بحق الدين والإنسانية, وتسببت بقتل الأبرياء وغزو الغرباء وتدمير المدن.
وما جرّته الأنظمة الفاسدة على شعوبها من تدمير حواضر تاريخية وتهجير الملايين وجعلهم لاجئين, في سبيل البقاء والحفاظ على السلطة.
وقد عبّر أحمـد أبـو الغيـط الأمين العام لجامعة الدول العربية عن ذلك في كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية لاجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمجلس الجامعة بتونس بقوله:
إن مسيرة التنمية العربية تعرضت لانتكاسة كبرى في بعض الدول التي شهدت حواضرها الخراب والتدمير، وتعرض سكانها للضياع والتهجير, لجوءً ونزوحاً وتشريداً, حتى صارت بلادنا وللأسف منتجة لنصف لاجئي العالم.(1)
لنترك التاريخ والجغرافيا واللغة والدين, ولنتوجه نحو المصالح الاقتصادية كما فعلت أوروبا. جميع الدول العربية تجمعها مصالح اقتصادية مشتركة, ولكنها لم تعمل على تحقيق ما يجمع تلك المصالح في كيان واحد ينهض بشعوبها نحو مصافّ الدول المتقدمة, فلا الدول التي تمتلك ثروات نفطية ومالية استطاعت استثمار ثرواتها في تحقيق تقدم علمي حضاري صناعي (باستثناء بعض دول الخليج العربي التي حققت نهضة عمرانية وثقافية, مع رفاهية لمجتمعاتها دون نهضة صناعية) ولا الدول التي تمتلك ثروات بشرية وكفاءات علمية استطاعت استثمارها واستغلالها في التنمية والتقدم الصناعي والعلمي, فأين تكمن المشكلة؟
لماذا لا نستفيد من تجربة الاتحاد الأوربي بإنشاء الاتحاد العربي, وتحتفظ كل دولة باستقلالها السياسي وتمثيلها الخارجي, وتتوحد العملة النقدية والمصالح الاقتصادية ورفاهية الشعوب واستغلال طاقات الشباب بحدها الأقصى.
أو الاستفادة من تجربة الإمارات العربية المتحدة التي جمعت إمارات صغيرة جغرافياً, ضمن دولة واحدة مع احتفاظ كل إمارة بكيانها على مستويات متعددة, ولنتخيل كيف ستكون كل إمارة لو لم تتوحد؟ تلك هي المسماة في علم الإدارة: الدروس المستفادة, فهل سيستفيد العرب من هذا الدرس؟
يقول د.عبد الله خليفة الشايجي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت:
الخطر الاستراتيجي في المشهد العربي يكمن في غياب مشروع عربي جامع وتراجع مفهوم المواطنة وضعف الدولة المركزية على حساب التنظيمات والجماعات المسلحة من الفاعلين من غير الدول. ويُشكل المشهد الراهن في حقبة ما بعد موجات التغيير في الجمهوريات العربية، التي تُعرف بالربيع العربي، وترويج سيناريوهات مخيفة يروج لها منذ عقود صناع القرار والمفكرين الصهاينة مثل الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة.(2)
نحن أمة يجمعنا كل شيء, فكنّا خير أمة أُخرجت للناس, وقدنا العالم عندما اعتصمنا بحبل الله جميعاً ولم نتفرق. وقال لنا الله تعالى: وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون.
فهل من سبيل إلى النهضة والتقدم والحضارة, للقضاء على 100 عام من التخلف والانحطاط؟

(1) الدورة العادية الثلاثون للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للجامعة العربية – تونس- صحيفة اليوم السابع: 28 مارس 2019.
(2) المنتدى السنوي الحادي عشر لصحيفة الاتحاد الاماراتية بعنوان العرب بعد 100 عام على سايكس – بيكو- 19 أكتوبر 2016.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights