تم تعطيل حسابك!

مريم سليمان الجابري
يبدو أن هذا العالم يخجل من حقيقته.
يجب أن يكون كل شيء ورديًا، لطيفًا، خياليًا!
لا حرب في غزة، لا أمهات ثكلى، لا أطفال تحت الأنقاض.
لا تضعوا صور الدمار، ولا تنشروا أخبار القصف والدم، ولا تكتبوا عن الألم!
وسائل التواصل — تلك التي صنعوها بإسم الحرية والانفتاح — لا تحتمل سوى المحتوى السطحي، العابر، الخالي من الوجع.
أما الثورات في إيران، وما جرى في أفغانستان، وما يحدث في بلاد العرب من غليان… فانسَ أمرها تمامًا.
لا تُظهروا الحقيقة، لا تجرحوا مشاعرهم بمعاناة شعوبكم. نحن نريد كل شيء ورديًا فقط!
هذا ما فهمته بعد كل مرة وصلني فيها إشعار: “تم تعطيل حسابك!”
تم إيقاف حسابي لأنني تضامنت مع غزة الجريحة،
لأنني قرأت كوابيس بيروت، ذلك الكتاب الصادق عن الحرب الأهلية في لبنان،
لأنني كتبت رأيي في نساء جسورات من طهران.
ولأنني حاولت أن أكتب مراجعاتي لكتب شهيرة أخرى بكل صدق.
غياب حساباتي حجب عني مشاركة لحظات هامة؛ منها فرحتي حين دشّنت روايتي الكود 21 في معرض مسقط الدولي للكتاب.
كنت أكتب، أوثق، أشارك تفاصيل ثقافية وإنسانية… ثم فجأة، يُغلق الباب.
فكّرت طويلًا…
أي حرية هذه التي يتغنّون بها، وهم يمنعون صوتنا؟
أي عالم هذا الذي يريد أن يرى الحياة فقط من خلال فلاتر الجمال المصطنع؟
أنا أفتقد روتينًا كنت أظنه بسيطًا: أن أتصفح، أن أشارك، أن أكون جزءًا من حوار رقمي يومي.
لكنني بدأت أتساءل: هل هذا صحي؟ هل أدمنا هذه التطبيقات التي صنعوها، فصارت تتحكّم في وعينا وحريتنا؟
هل أصبحنا أسرى لما يُسمح لنا برؤيته فقط، بعيدًا عن الحقيقة؟