الأحد: 25 مايو 2025م - العدد رقم 2561
Adsense
مقالات صحفية

رعاية الوالدين ما بين الإقبال والإهمال

د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي

يتساءل الكثير من الآباء والأمهات حول الطرق المُثلى للتواصل مع الأبناء؛ من أجل ضمان التربية السليمة والتنشئة الصحيحة، وفي هذا المقام سوف نلقي الضوء على العلاقة العكسية بينهما، واهتمام وتواصل الأبناء مع الآباء، فمع مرور الوقت وتسارع الزمان يجد الأبناء أنفسهم آباء، ويصبح الآباء أجدادا ومسنين، هذه طبيعة الحياة، وتلك فطرتها وسُننها.

وتزدحم العيون دمعًا حين نقوم بوصف الواقع المليئ بوجود مخاطر انعدام التواصل بين الأبناء مع آبائهم عند كبر سنهم، وانتشار الحواجز والانشغالات وتفكك العلاقات؛ لدرجة الصمت التام والثبات العميق، وعلى ذلك فلا يجوز للأبناء والأحفاد مقاطعة الآباء والأجداد، ويجب عليهم برّهم ووصالهم والإحسان إليهم، واعلم أن وجود الآباء هو ما يقيم أعمدة أرواحنا، ويشيد بناء قلوبنا وخطواتنا، فالحرمان من وجود نعمة الأم والأب ابتلاء من الابتلاءات الكبيرة، فحين يغفل الإنسان عن وصال أبويه، فإنه يقوم بعقوقهما، وقطع العديد من السبل الممهدة له في دنياه، وهنا لا بد من تدارك أن طاعة الوالدين من طاعة الله، وبرّهما فريضة، وعقوقهما كبيرة، مع العلم أن الدائرة تدور.

ويُظهر الاهتمام بالوالدين انعكاس العلاقة بين الآباء والأمهات والأبناء، فمع تغير العمر ينبغي تفهم تغير العلاقة بينهما، وإعادة صياغة هذه العلاقة وفقا لمتغيرات النفس والجسم والعمر، وتبادل الأدوار وعبء الرعاية وتقديمها، والتواصل الذي لا ينقطع والدعم النفسي والمساعدة وتفهم سن الشيخوخة أوالكهولة واحتياجاتها وخصائصها المختلفة، وخصوصا الناحية العاطفية والنفسية والانفعالية والاجتماعية والأسرية.

كما ينبغي الفهم بأنه مهما بلغ العمر مداه، فإن وجود الأبوين في حياة الأبناء ميزان في وقت الميل، وتصويب في وقت الاحتياج، وشعور دائم بوجود السند والمؤازرة، هما الحائط الذي لا يُهدم، وهما الظل الذي يُظِل وجودك ويُبقيه في أمان، بعيدا عن شعاع الخطر والتيهة والتفكك الحارق.

راقب أبويك؛ فإنهما بمثابة الشمعة التي هي مصدرك الوحيد للنور، وهما جذر الشجرة التي تستمد الحياة من أعماق الأرض؛ ليوصلها إليك، مع التحويط والخوف عليك، هما النعمة والأقدار التي كُتبت بحبر الحكمة، ودعاءهما مغلف بلطف رباني، لا يدرك إلا بعد حين، تأمل كم مرة دُفِعتَ إلى طريق مسدود وفرجه الله عليك بوجود الوالدين دون أن تدري، تلك ليست مصادفات، وإنما هي رسائل خفية لا يقرأها إلا من أدرك أبويه عند الكبر، وأدى واجبه النفسي والاجتماعي والأسري والشرعي والرباني، فقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : (رغم أنف رجل بلغ والداه عند الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة) . “رواه الترمذي وصححه الألباني”.

ونتاجا لما سبق- وبعد استثارة المعاني النفسية الإيجابية تجاه الوالدين- فإنه لا بد من الإشارة لأهم الأبعاد النفسية والانفعالية والجسمية التي تؤثر على آبائنا وأمهاتنا كبار السن:
– تدهور وظائف الجسم وتدني الحيوية الجسمية والذاتية.
– تولد بعض الاضطرابات النفسية والانفعالية الناجمة عن ضعف البدن والنفس.
– ضعف التوافق النفسي والاجتماعي والالتفاف العائلي.
– زيادة مشاعر الفقد الأسري والتواصل مع الأبناء والأحفاد.
– مشاعر الوالدين الناجمة عن إحساسهم بأنهم أصبحوا عالة على أنفسهم وذويهم.
– مشاعر الحسرة على ما فات، ودور التضحيات بالنفس والأوقات في سبيل إسعاد الأبناء، ومقابلة ذلك بإهمال الأبناء وخصوصا وقت الأزمات.

وبناء على ما سبق تفقدوا آباءكم وأمهاتكم، أعطوهم كما أعطوكم، وبروهم كما أكرموكم، وراعوا مشاعرهم واحتياجاتهم النفسية، تحدثوا معهم واستأنسوا بوجودهم، شاركوهم أوجاعهم ودموعهم، فقد قال القائل: “ليس البكاء بمحظور على أحدٍ، الناس في الدمع أطفال وإن كبروا”.
والله من وراء القصد،،،،،،

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights