في موسم التجليات .. الزكاة جسر القلوب وروابط النور

عادل بن حميد بن عبدالله الجامعي
ما برح الزمان يطوي أيامه، وما زالت قلوب المؤمنين تهفو إلى مواسم الخير، حيث تتنزل الرحمات، وتنبض المجتمعات بوهج الإحسان، وتتكشف أسرار السعادة الكامنة بين عطاء ومعطى، وبين يد تُعطي ويدٍ ترتفع بالحمد والثناء، إن التكافل الاجتماعي ليس قانونًا يُسنّ، ولا شعارات تُرفع، بل دمعة تترقرق في عين العابد، وهو نبضة قلب الذاكر الذي لا يرى في الكون إلا وحدة الصف، ولا يلمح في اختلاف الأقدار إلا امتحانًا للقلوب: أيها ألين، وأيها أجود، وأيها أقرب إلى عتبات الرحمة.
وفي هذا المقام، تأتي الزكاة كسر من أسرار الطريق إلى الله، وكشعيرة أُسست لتصفية النفس، وتجلية القلب، وجعل المال مطيةً للعبور من ضيق الذات إلى سعة الحق، فهي عند الذاكرين الله كثيرا، تطهير للروح قبل أن تكون تطهيرًا للمال، وهي عند المستغفرين عبادة قلبية، تفيض منها بركات لا تحصى على الفرد والمجتمع. والزكاة في فلسفة العارفين ليست مالًا يفارق الجيب، بل حبل موصول بين قلب المعطي وقلب المتلقي، بين الغني والفقير، بين القوي والضعيف. هي مدرسة يقف فيها السالك متأملاً في حكمة الله؛ كيف جعل للأرزاق دورة، وللنعمة أمانة، وللقلوب امتحانًا. يفيض العطاء من المحسن كما يفيض الماء من العين العذبة، لا يمنّ ولا يستكثر، بل يعلم أن المال مال الله، والفضل فضل الله، ومن شرب من بحر الجود، زادته الزكاة ريًّا لا ينقطع.
ومع اقتراب عيد الفطر، ها هي الأيام تذكّر المزكين والمتصدقين بسرٍ جليل: أن العيد لا يُعاش وحده، ولا يُحتفل به على هامش الآخرين، بل العيد فرحة جامعة، لا تكتمل إلا حين تعمّ البسمة كل وجه، وتُضاء البيوت بالرضا، ويشعر الضعيف أن له في قلوب إخوانه المسلمين مقامًا.
أترى قلبًا عرف الله، ثم بخل بماله على خلق الله؟! أم تُبصر روحًا سالكة إلى ربها، ثم لا تُبادر إلى تلمّس حاجات الأرامل واليتامى والمساكين؟
الزكاة في عُرف العارفين مقام في السير، يتدرج فيه السالك من بذل المال إلى بذل النفس، ومن الإنفاق الظاهر إلى كرم الباطن، حتى يصير معطيًا لا يرى لنفسه فضلاً، بل يرى نفسه واسطة جرت عليها الأرزاق، فحمد الله أن جعله موضع العطاء لا موضع السؤال.
ويا له من مشهد نوراني، حين يسبق المزكي يوم عيده بيده الممدودة، قلبه مزهر بنور العطاء، ينثر فرحته في قلوب من ضاقت بهم الدنيا، فيُكتب له في يوم الجائزة عيدان: عيد الطاعة، وعيد الإحسان..
يا أيها السالكون في درب الله، ويا معشر المومنين، اجعلوا الزكاة جسرًا تعبرون عليه إلى مرضاته تعالى، وتلمّسوا بها حاجات العباد، فما سلك إلى الله من سلك إلا كان عابرًا على قنطرة العطاء، موقنًا أن ما عند الله لا يُدرك إلا ببذل ما بين يديه.
هبوا قبل العيد، واملؤوا بيوتكم بفرحة الزكاة، وكونوا رحمات تمشي على الأرض، كما كان نبيكم ﷺ لا يبيت إلا وقد سأل: هل بقي من محتاج لم يُعطَ؟ واعلموا أن المال يمضي، والبركة تُكتب، والآخرة تُبنى بلبنات تُنفق هنا، ليُشاد بها هناك، حيث لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم. فما نقص مال من صدقة، ولا خاب من زكّى، ولا ضلّ من سار على طريق العارفين.
والله عنده حسن المآب.
ولا يفوتنا هنا أن نُثني الثناء الجميل على الجهود المباركة التي تبذلها لجان الزكاة والصدقات في مختلف محافظات السلطنة، أولئك الذين حملوا الأمانة بصدقٍ، وسهروا الليالي ليكونوا جسرًا أمينًا بين أيدي المزكين وأيدي المستحقين، لقد سطّروا أروع صور البذل والعطاء، لا في رمضان فحسب، بل في سائر شهور العام، حيث سخّروا وقتهم وجهدهم ليصل الخير إلى مستحقيه دون عناء أو مشقة، وقد يسّرت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية مشكورة على المزكي والمتصدق بتفعيل بوابة الزكاة الإلكترونية: https://zakah.om/ar، تلك النافذة المشرقة التي جمعت بين يسر التقنية وبركة العبادة، فجعلت أداء الزكاة وتقديم الصدقة أقرب وأسهل لكل راغب في الخير، دون أن تُعطل عنه السُبل.
فشكرًا لكل يد امتدت بالعطاء، وشكرًا لكل قلب نبض بالإحسان، وشكرًا لأولئك العاملين الذين لم يعرفوا تعبًا في سعيهم الحثيث، وجعل الله مسعاهم في موازين أعمالهم، وبارك في أوقاتهم وأرزاقهم، فهم بحق منارات التكافل، وحُراس العطاء.في موسم التجليات.. الزكاة جسر القلوب وروابط النور*