تأملات في الآيات الكريمة

سليمان بن حمد العامري
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي أنزل الكتاب تبيانًا لكل شيء، وجعل فيه شفاءً لما في الصدور، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين.
قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].
الفرق بين اللفظ والقول
التأمل في دلالات كلمة “اللفظ” – في نظري – هو كل صوت يخرج من الفم، سواء كان حرفًا أو صوتا عابرا. وأما “القول”، فهو ما حمل معنى مقصودًا، سواء كان كلمة واحدة أو جملة مفيدة.
وهنا يلفت الله أنظارنا إلى أن أي صوت يُنطق، ولو لم يكن كلامًا تامًّا، فإنه لا يغيب عن سجلات الملائكة، بل يُوثق فورًا. واستدلالًا على ذلك، يقول الله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7-8]. وكما أن مثقال الذرة من الأعمال تحصى ، فكذلك الألفاظ، فلا يغفل الإنسان عن أثر ما ينطق، وإن ظن أنه لا يُؤبه له.
وأيضا تأمل قول الله تعالى : {إِلَّا لَدَيْهِ}، تجد أن الحفظ يتم في نفس اللحظة، فهناك مَلَكٌ مكلّف لا يفتر، يرصد كل نطق، صغيرًا كان أم كبيرًا. وهذه الدقة الإلهية تتجلى في قوله تعالى:
{وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47].
فلا يغيب عن الحساب شيء، ولو كان همسًا، أو زفرة ألم، أو حتى تأوّهًا في غير محله، إذ يقول الله تعالى: {وَلَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف: 49].
التوبة: هل تمحو أم تبدّل؟
وهنا قد يسأل سائل: هل تبقى الألفاظ المسجلة حتى بعد التوبة؟
بعد التأمل، أجد أن السيئات لا تُمحى، بل تُبدَّل، أي تبقى مسجلة في صحيفة الأعمال، لكن الله – بواسع رحمته – يبدلها إلى حسنات، كما قال:
{إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُو۟لَـٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَـٰتِهِمْ حَسَنَـٰتٍۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان: 70].
وفي الحديث الشريف، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“والذي نفسي بيده، لا يدخل الجنة أحد منكم بعمله.”
قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟
قال: “ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه.”
وهذا يدل على أن العبد لا يعتمد على طاعته وحدها، بل يرجو رحمة الله، والتي تتجلى في مغفرته وقبوله التوبة، بل وتحويل السيئات إلى حسنات.
إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، فلا أبرئ نفسي.
وختامًا، ما أحوجنا إلى تدبر كلام الله والعمل به، كما قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]