من خفايا الذاكرة (دروس في حفظ القرآن الكريم )

د. حميد أبو شفيق الكناني
حافظ للقرآن الكريم ونهج البلاغة والمعلقات السبع.
من أين نبدأ ؟
لعل هذا السؤال مهم في بداية الطريق، ولكنه غير مؤثر على المحتوى والمضمون، وإن كان يأخذ حيزاً ومساحة في التنظير و التنظيم، وتوضع له قواعد وأصول في التنمية والتعليم.
و السؤال ببساطة هو:
من أين نبدأ حفظ القرآن الكريم؟
والإجابة أبسط وهي:
هناك عدة بدايات منها:
الأولى:
بدايات تقليدية مثلاً أن نبدأ من البداية إلى النهاية.
والثانية:
العكس أي أن نبدأ حفظ القرآن الكريم من النهاية حتى نصل إلى البداية.
والثالثة:
بدايات مختارة مثلاً من الأجزاء العشرة الأواخر سواء من الجزء الحادي والعشرين إلى النهاية أو من الجزء الثلاثين إلى الجزء الحادي والعشرين أو من الجزء العاشر إلى الجزء العشرين أو العكس، وكذلك الحال في اختيار عدد آخر من الأجزاء للحفظ غير العشرة أجزاء وهلم جرا….
و الرابعة:
بدايات مختارة على غير ترتيب مثل أجزاء مختارة أو سور مختارة، على سبيل المثال السور المشهورة: مثل سورة مريم وسورة يوسف أو سور عدد صفحاتها أقل مثل سورة يس.
أو أجزاء مختارة أو أنصاف أجزاء مختارة لأن فيها بعض السور المشهورة مثل الجزء السابع والعشرين الذي يضم سور مشهورة مثل سورة الرحمن و سورة الواقعة وهكذا …
هذا على مستوى التنظير و التنظيم بالنسبة للمدرسة أو المؤسسة وأما على المستوى الشخصي والذي يعود للمجهود الفردي فهناك بداية تعود لخلفية الحافظ أو الحافظة وهي ما كان حفظ سابقاً بسبب جلسة في مسجد أو صف في مدرسة أو مسابقة في مناسبة أو رغبة طارئة أو شيء من هذا القبيل.
فإن اختيار هكذا بدايات سيكون جيداً وفيه قوة دافعة ومحفزة للحافظ نفسه، لأن الذاكرة لا تصل إلى صفر وسينطلق الحافظ من نقطة كان قد بدأ منها.
ويمكن تقسيم السور على أقسام كما ورد في التفاسير ولعل أقربها إلى منهج الحفظ هو التقسيم الرباعي والذي يبدأ من السور الطوال وعدد آياتها ما تجاوز مائة وعشرين آية، وتضم الأجزاء العشرة الأوائل.
ثم السور المعروفة بالمئين وهي السور التي يقارب عدد آياتها المائة أو يتجاوزه بقليل، وتبدأ بعد الجزء العاشر إلى نهايات سور الحواميم تقريباً أي إلى الأجزاء الخمسة الأخيرات،
وأما القسم الثالث فهو السور المشهورة بالفواصل وهي السور التي يترواح عدد آياتها من الثلاثين آية غير قصيرة إلى ما دون التسعين.
بعدها قصار السور وهي السور التي تضم آيات قصيرة وقليلة أو آيات قصيرة فقط مثل الجزء الثلاثين.
وبصورة عامة فإن الحافظ أو الحافظة مخير في اختيار البداية مع نفسه والأستاذ ومسير مع المدرسة أو المؤسسة ومنهجيتها الخاصة بها.
مع العلم والتذكير أنه ليس هناك وجه للتفاضل في وجود بداية أفضل، أو ضرورة على التاكيد في أن نبدأ من هذا الجزء أو هذه السورة.
ما عدا تحفيظ الأطفال واختيار الجزء الثلاثين وهذا الموضوع خارج دائرة البحث.
علماً أن ذكري للأقسام الأربعة من باب من أين نبدأ حفظ القرآن الكريم وليس من باب ما ذكره المفسرون
.
وللمعلومات فقط فإن من القدماء من كان يقسم القرآن الكريم على أربعة أرباع ويختار البداية من سورة يس أي من الربع الرابع، ولكن هذا الاختيار كان عاماً أي يشمل الحفظ والتلاوة.
ولهذا السبب سميت سورة يس بقلب القرآن.
أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ.