مقال: عمان وسنغافورة .. أرضية خصبة من التسامح
أحمد بن سالم الفلاحي
في هذا الطرح، يقينا، لا أعقد مقارنة بين بلدين، كل منهما له خصوصيته الاجتماعية؛ قبل كل شيء، وله خصوصيته الجغرافية، وله خصوصيته التاريخية، فعمان بلد عريق، يضرب بجذوره الى عمق التاريخ الإنساني المتجذر بالحضارة والتاريخ، وبفعل الإنسان طوال هذه السنون الكبيرة في أثرها على واقع الناس، والكثيرة في حقن التاريخ الإنساني بما أوجده هذا الإنسان في هذه البقعة الجغرافية من الكرة الأرضية، ومن هنا أكثر ينظر الى عمان بشيء من الإكبار والتقدير، وهي تتوج بعباءتها الحضارية طوال هذه السنين.
إلا أن هناك سمات مشتركة بينها وبين كثير من دول العالم “الحي”، والحياة هنا معناه البقاء والتفاعل، مع العالم المحيط، والقدرة على هضم الآخر واستيعابه، والتكامل والتعاون معه، يحدث ذلك في كثير من مجالات الحياة، ويحدث ذلك أكثر – ليوجد نوعا من التميز – عندما تكون هذه المجالات تفرض أهميتها وواقعيتها في حياة الناس، وتذهب بعيدا إلى حيث الرخاء والأمن والسلام، حتى تتفرغ الشعوب لما ما هو مطلوب منها من الإبداع العلمي والأدبي، ومن الاستقرار السياسي والديني، وهذه مقومات على درجة كبيرة من الأهمية، لأنها تتشابك مع الآخر، وهذا التشابك قد يفضي إلى الكثير من الأحداث إما سلبا أو إيجابا، ولأن الحياة لا تتوقف؛ فهي في سيل منحدر من عل؛ فلذلك يجب أن ينحاز دائما إلى الخيارات الباعثة على الهدوء، والمفضية الى السلام والوئام لخير البشرية جمعاء.
في زيارتي الى جمهورية سنغافورة ذات الـ (55) عاما من الإنجاز البشري في وفد صحفي من دول عديدة في الشرق الأوسط، شد انتباهي في هذه الزيارة “مركز التسامح الديني” الذي يضم معرضا معبرا عن هذا التسامح، حيث يجتمع في هذا المعرض مختلف أنشطة وكتب وفعاليات الديانات السماوية الثلاث: الإسلامية والمسيحية واليهودية، بالإضافة الى الديانات التي يرى فيها أصحابها أنها امتداد لهذه العلاقة مع رب العالمين، مع وجود دائم من يمثل هذه الديانات كلها ويشرح للزوار حقيقة ديانته، أو ملته، أو أيديولوجيته، ويفخر السنغافوريين بهذا التسامح الديني الذي تضمه بلدهم، حيث لا سيادة أيديولوجية لدين أو مذهب أو طائفة، ويروا فيه أنه العامل المهم والداعم لاستقرار بلدهم، وتفوقها التكنولوجي والمعرفي، وانجازها الصناعي في هذا الوقت القياسي جدا من عمر البشرية (55) عاما، وكما بين المنتسبون الى الدين الإسلامي أن سنغافورة تضم (17) مسجدا، وعددا من المدارس الدينية التي تهتم بتعليم الإسلام الصحيح للناشئة، والمعبرة في ذات الوقت عن مكانة الإسلام في نفوس السنغافوريين.
تأتي المماثلة هنا مع واقعنا في السلطنة هذا التميز في التسامح الذي تعيشه السلطنة، وهو الموسوم اليوم بالكثير من التميز، وإليه يعاد استقرار السلطنة، والتفاتتها نحو تنميتها البشرية والاقتصادية والاجتماعية، وسياسة الحوار العقلاني في مشروعها السياسي الخارجي، ولذلك يشار إليها دائما بالبنان عندما يأتي الحديث عن التسامح الديني، وليس معرض “التسامح الديني في عمان” الذي تتبناه وزارة الأوقاف والشؤون الدينية عنا ببعيد، والذي طافت به مختلف دول العالم، واليوم يحط رحاله في الولايات المتحدة الأمريكية، ولقي إشادات كثيرة معبرة عن هذا السلوك الحضاري الذي تأخذ به عمان في تعاطيها مع الآخر في الداخل والخارج، مما عد (أنموذج) يغازل دول كثيرة للوصول إليه وتطبيقه على أرض الواقع، ولو أن المسألة ليست بهذه البساطة، حيث تحتاج المسألة إلى أرضية خصبة من الرضى والقناعة، وتأسيس متجذر ضارب في عمق التاريخ الإنساني.
إن دول العالم في سعيها الحثيث اليوم أكثر من أي وقت مضى؛ تذهب أول ما تذهب اليه هو البحث عن أدوات الاستقرار ومعززاته، ومن ذلك إيجاد أرضية خصبة من التسامح الديني، فليس أشق على الأمة من الاختلاف في الدين، والتصادم في قضاياه.