بائع المشاكيك
هلال بن حميد المقبالي
في مساء أحد الايام وعلى جانب إحدى شوارع السلطنة رأيت موضعا يبيع المشاكيك.
وكنت أشعر بتعب وقليل من الجوع أوقفت سيارتي لآخذ قليل من الراحة من مقود السيارة، وقد أعجبني المشهد لوجود جلسة شعبية مريحة في ذلك الموضع.
نزلت من سيارتي لأتفاجئ بشاب عماني عمره لا يتجاوز ال 27 عاما، ألقيت عليه السلام ورد السلام وتبعه بكلمة تفضل سيدي،
لم أعتد في التعامل مع العمانيين بكلمة سيدي، ففي مجتمعنا نكاد لا ننطقها أو نسمعها الا عند الإخوة العسكريين.
جلست وبادرني بالكلام أي نوع تريد من المشاكيك؟
يتوفر لدي لحم/حبار/دجاج/سمك/نقانق.
وأمامك على الطاولة نوعين من الشاي الأحمر والكرك وهما بالمجان… يقولها مبتسما : حتى ولو لم تطلب شيء.
أبواق السيارات المارة عليه لا تنقطع لحجز الطلبيات أو أخذ ما طلبوه مسبقا.
وهاتفه بين الحينة والأخرى يناديه بصوته المزعج.
ليرد على متصليه وهم يحجزون طلبياتهم.
وكان معه شاب في عمر العشر سنوات تقريبا يساعده لمناولة الطلبات وإستلام الطلبات من أصحاب السيارات الذين يفضلون البقاء في سياراتهم لحين انتهاء طلبهم.
اتضح لي فيما بعد أنه ابن اخته.
أما أنا فجلست استمتع بهذا المشهد النشط، وأسلوب البائع اللبق، مما أثار فضولي لأتبادل معه أطراف الحديث رغم انشغاله لكنه كان يبادلني الحديث بكل احترام.
من والحوار عرفت أن اسمه “خالد” خريج هندسة كيميائية، من إحدى الجامعات البريطانيه.
هنا تأكد لي سبب استخدامه لكلمة “سيدي” فقد اعتاد عليها فترة دراسته، كنت قد لمستها أثناء تواجدي في تلك البلاد.
جلست قرابة النصف ساعة وأنا انتهز كل فرصة تسمح لي بالحديث معه.
ومما عرفته منه أنه خريج منذ أربع سنوات، ولم يجد فرصة عمل في السلطنه، وذهب لدولة مجاورة وعمل هناك فترة 6 اشهر،ليعود مرة أخرى بعد وفاة والده، ليكون مع أسرته يعوضهم كما يقول عن فقدان الاب، فمارس مهنة بيع المشاكيك في حارته، ولكن بعض الجيران لم يعجبه الوضع فمنع من البيع في الحارة لينتقل إلى جوار الشارع العام، ويساعده أخوانه وابن أ خته”هيثم”و أحيانا بعضا من اصدقائه.
انتهزت فرصة بسيطة عندما جلس يشرب الماء حتى تجهز الطلبية وسألته:
هل أنت مرتاح في هذا العمل؟
أجابني:
الحمدلله مرتاح ولكنه عمل متعب للغاية، بدأ من التجهيزات وانتهاء بتغسيل الادوات المستخدمة وبشكل يومي.
وهل دخلها يغطي إحتياجاتك؟ هذا كان سؤال آخر طرحته عليه، فأجابني:
نعم في أغلب الأوقات إذ يتجاوز البيع اليومي ال100ريال.. ويكون المبلغ الصافي قرابة ال40ريال، ولكن البيع متذبذب بين فينة وأخرى.
هل تطمح إلى وظيفة .. والعمل في مجال تخصصك؟
نعم ولولا ذلك لما تعلمت، إن مهنة بيع المشاكيك لا يحتاج لها شهادة.. ولكن هذا القدر …، فمنذ تخرجي بحثت عن عمل في القطاعين،ولكن لم اجد. وسافرت إلى دولة خليجية وعملت فيها خارج تخصصي…. ولكن وفاة والدي حالت دون مواصلة العمل هناك حيث أن نظام العمل يفرض بقائي شهر بعدها أحصل على إجازه 7ايام بمعنى شهر بأسبوع…
وها أنا مازلت منتظرا للفرج لعله يكون قريبا….
عاد إلى طاولته ليكمل مشواره، وأنا عدت لسيارتي لأكمل مشواري.
وحالي يقول إلى متى؟
هكذا وضع شبابنا!!
لقاءنا القادم مع قصة أخرى من سلسلة شبابنا إلى أين؟