قراءة في قانون العمل العماني الجديد”قراءة تحليلية نقدية في بعض مستحدثات القانون”
1- ضمانات انهاء عقد العمل لعدم الكفاءة
د. سالم الفليتي
أستاذ القانون التجاري والبحري المشارك
قسم الحقوق – كلية الزهراء للبنات – مسقط
salim-s@zcw.edu.om
ظلت المنظومة التي تحكم العلاقة التعاقدية بين صاحب العمل والعامل إلى وقت قريب ممثلة في قانون العمل الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (35) لسنة 2003. ورغم كفاية نصوصه عند إصداره، إلا أنه فيما بعد أصبح يعتريه العديد من النقص والقصور أوقعت القضاء والفقه في حرج شديد، فكان القانون الجديد بمثابة طوق النجاة.
سارت نصوص وأحكام القانون الجديد في مسارين، أولهما تعديل وترقية بعض نصوص القانون القديم، بما يتناسب والظروف والمتغيرات الاجتماعية في آن واحد. وثانيهما، استحداث نصوص وأحكام جديدة تتوافق ومتطلبات المرحلة القادمة، وتحديداً تلبية متطلبات رؤية عُمان 2040م، للوصول إلى أكثر من (90%) تسعين في المائة من حصة القوى العاملة العُمانية من إجمالي الوظائف المستحدثة في القطاع الخاص.
ومن هنا تبرز أهمية القراءة، وتبدو دوافعها كونها تسلط الضوء على أهم المستحدثات في القانون الجديد؛ من أجل استظهار فلسفة المشرع الحديثة، وبيان مدى انسجامها من حيث الصياغة، والمضمون، وإلى أي مدى تلبي تلك الفلسفة الطموحات المرجوة من اصدار قانون عمل جديد؛ للوقوف إلى أي مدى تتجانس والرؤية المستقبلية لعُمان 2040، وتقديم بعض الحلول للإشكاليات التي تحيط بها هذه القراءة، وتكون، محل نظر المشرع حين تواتيه فرصة تعديل القانون.
تنص المادة (43/3) من قانون العمل بأنه “مع عدم الإخلال بحكم المادة (40) من هذا القانون، يجوز لصاحب العمل إنهاء العقد من جانبه بعد إخطار العامل في الحالات الآتية:
-إخفاق العامل في الوصول إلى المستوى المطلوب من الكفاءة بعد إخطاره بأوجه عدم الكفاءة ومنحه مهلة مناسبة لا تقل عن (6) ستة أشهر للوصول إليها، فإذا أخفق العامل جاز لصاحب العمل إنهاء عقد العمل، …”.
يُلحظ على المشرع استحداثه حالة جديدة لم يكن منصوصاً عليها في القانون القديم، وهي أنه يجوز لصاحب العمل إنهاء عقد العمل بسبب عدم كفاءة العامل في مستوى معين. ويُحمد المشرع في مسلكه هذا؛ باعتباره توجهاً ومطلب في النهوض بممكنات العامل، فأفرد لهذا الاعتبار نص يعنى به، في المقابل وضع شروط عدة لإعماله، هي بمثابة ضمانات قانونية تحقق توازناً بين أطراف العلاقة، العامل وصاحب العمل في آن واحد. آيات ذلك:
1- إخطار العامل بأوجه عدم الكفاءة: يوجب المشرع استناداً للفقرة (2) من المادة (43/3) من القانون على صاحب العمل اخطار العامل بأوجه عدم كفاءته، ومنحه مهلة لا تقل في جميع حالاتها عن (6) ستة أشهر للوصول إلى الكفاءة المطلوبة في العمل. وبالتالي إذا أخفق العامل بعد هذه المهلة جاز لصاحب العمل – عندها – إنهاء عقد العمل.
وفي اعتقادنا مدة (6) ستة أشهر هي مدة مناسبة – فلا هي مدة قصيرة ولا هي مدة طويلة، ولا هي مدة غير موجودة – فمدة (6) الأشهر كافية للعامل لتحسين وتنمية مداركه والوصول بالكفاءة إلى المستوى المطلوب منه. وما يزيد النص جمالاً، أن المشرع وهو يجيز لصاحب العمل إنهاء عقد العمل بسبب عدم الكفاءة – قطع الطريق على صاحب العمل، من أن تكون عدم كفاءة العامل سبيلاً للتخلص من هذه العامل من جانب، ومن جانب آخر يحقق النص أهدافه، حيث ألزم المشرع صاحب العمل تعيين عامل عُماني بديلاً عن العامل المنتهية خدماته بسبب عدم الكفاءة وفي المهنة ذاتها، متى كان المنتهية خدماته عاملاً عُمانياً؛ وحسناً فعل المشرع على حسن صياغة النص وتوافق مساراته الثلاثة.
2- إنشاء صندوق لتنمية الموارد البشرية: تنص المادة (21) من قانون العمل على أن تنشأ وزارة العمل صندوقاً لغايات تنمية الموارد البشرية الوطنية، يختص بتمويل برامج وسياسات التشغيل والتأهيل والتمكين لجميع العاملين في القطاع الخاص. ويُحمد المشرع على هذا التوجه الذي من شأنه تنمية مهارات العاملين في القطاع الخاص، وبالتالي توجهه هذا من شأنه التقليل من رصد حالات عدم الكفاءة، وهي فلسفة حديثة خاصة وأن هذه التوجه في نصه سبق النص (43) مما يعني تناسقاً شكلياً في أروع إبداعات المشرع في هذا الشأن، وفوق ذلك النصين (21) و (43) يتجانسان والتزامات العامل المأطرة بالمادة (67) من القانون نفسه، خاصة والبند (5)، الذي يلزم العامل باستمرار على تنمية مهاراته وخبراته وفقاً للنظم والإجراءات التي يضعها صاحب العمل.
3- ويستكمل النموذج الاسترشادي للائحة نظام العمل في منشآت القطاع الخاص الصادر بالقرار الوزاري رقم (619) لسنة 2024 توجه المشرع في القانون الجديد؛ بيان ذلك، أن القرار أفرد فصلاً وهو الفصل السابع، يعني بتقارير الأداء في المواد من (29) إلى (32)، حيث ألزم القرار منشآت القطاع الخاص إعداد تقارير الأداء بصفة دورية – كل عام -، على أن يتضمن التقرير عناصر أربعة – على الأقل -، مقدرة العامل على العمل وكفاءة إتقانه. وسلوك العامل ومدى تعاونه مع رؤسائه وزملائه داخل المنشأة، ومواظبة العامل على مواعيد العمل، ومدى تقيده بتعليمات المنشأة. ونستحسن موقف المشرع؛ على اعتبار أن العناصر الأربعة في مجموعها تشكل عاملاً يتمتع بالكفاءة والإتقان.
4- تنبه المشرع وهو يقر النموذج الاسترشادي للائحة نظام العمل في منشآت القطاع الخاص، للاجتهادات التي قد يفرزها واقع التطبيق العملي داخل هذه المنشآت، والتوسع والتضيق والقياس عند تعريفهم لمصطلح “الكفاءة المطلوبة من العامل” فأفرد معياراً موضوعياً محدداً لا يثير إشكاليات عند اعماله، وهو تقدير مقبول “بدلالة المادة (31) من القرار الوزاري رقم (619) لسنة 2024م، التي تنص على أنه “تقدير أداء العامل في التقرير بأحد التقديرات الآتية:
ممتاز
جيد جداً
جيد
مقبول
ضعيف
وفي جميع الأحوال، يكون حصول العامل على تقدير (مقبول) فأعلى معياراً لوصوله المستوى المطلوب من الكفاءة “.
ويفهم من النص أنه لا يجوز لصاحب العمل إنهاء عقد العامل لعدم الكفاءة، طالما حصل هذا الأخير على تقدير مقبول. لكن هذا لا يعني – بحال من الأحوال – أن يبقى العامل في تقدير مقبول طوال عمله في المنشأة، فطبيعة بعض الأعمال تستلزم حصول العامل على تقديرات أعلى لضمان استمرارية المنشأة وديمومتها، وحتى يتحقق هذا أو ذاك، يستلزم من المنشأة بذل كل ما يمكن لتدريب العمال فنياً وبشكل دوري في مختلف مستوياتهم المهنية وفقاً لما تتطلبه في حدود الموارد المتاحة ووفقاً لبرنامج زمني تعده لهذا الغرض، في المقابل يجب على العامل الالتحاق بأي دورة تدريبية تقوم المنشأة بتوفيرها له، بدلالة المادة (16) من القرار الوزاري المشار إليه.
وإن كان لنا رأي في هذه المسألة، نرى من المناسب جداً، تفعيل “مبدأ الثواب” في المنشآت، من أجل تحفيز العاملين للوصول إلى مستويات عالية في تقارير أدائهم السنوية، من خلال استحداث جوائز ومكافآت للحاصلين على مستويات تفوق مستويات أقرانهم، على غرار منظومة “إجادة” في القطاع العام.
مقالنا القادم – إن شاء الله – نخصصه في مستحدث آخر من مستحدثات قانون العمل الجديد.