غزة : أم الشهداء، وحكاية الصمود الأبديّ
ناصر السويدي
يا غزة، يا أم الشهداء، يا أرض العزة والكبرياء، أنتِ نبضٌ لا يتوقف، وجسدٌ يتحدى السهام. كل جرح فيكِ هو دليل على نضالٍ لا ينكسر، وكل صرخة ألم تخرج منكِ تحمل في طياتها صرخة حرية، ترتفع فوق أصوات القصف والدمار. أنتِ تحتملين ما لا يُحتمل، ترسمين بدماء أبنائك لوحةً للكرامة والعنفوان، لوحةً تضيء سماء العالم، وتروي حكاية شعبٍ يأبى الاستسلام.
“يا غزة، يا أم الشهداء” ليست مجرد كلمات، بل صرخة من أعماق القلوب. كيف لا، وأنتِ مدينة الشهداء، تودعين أبناءك يوماً بعد يوم، وهم يرتقون إلى السماء فداءً لأرضك. لكنكِ، رغم كل هذا الفقدان، تبقين صامدة، مرفوعة الرأس، تتحملين الألم وتزرعين الأمل في قلوب أبنائك. أصبحتِ رمزاً للمقاومة، وحكاية لا تنتهي عن الشجاعة التي تتحدى الظلم، وعن الأرواح التي تُنبت من دمائها بذور الحرية.
غزة، هذه المدينة الصغيرة التي تواجه كل يوم حصاراً ودماراً، أصبحت حاضنة الأبطال وأرض الشهداء. شهداؤكِ ليسوا مجرد أسماء، بل هم أرواح تضيء درب الحرية. كل بيت فيكِ شهد حكاية شهيد، وكل شارع فيكِ يعجّ بالذكريات، ذكريات الألم والفقدان، ولكن أيضاً بذكريات الفخر والعزة. رغم كل هذا الحزن، يبقى قلبكِ نابضاً بالحياة، تواصلين المسير نحو فجرٍ جديد، مهما اشتدت العواصف.
يا غزة، الشهادة فيكِ ليست نهاية، بل هي بداية لحياة جديدة، حياة تكتبها دماء الشهداء. هؤلاء الأبطال الذين يضحّون بأرواحهم، هم الرسالة التي تخبر العالم بأن الحرية ليست مجرد حلم، بل هي حق يجب أن يُنزع حتى لو كان الثمن غالياً. في كل يوم يُستشهد فيه أحد أبنائك، تتجدد فيكِ روح المقاومة والإصرار، وتواصلين السير نحو الكرامة.
الأمهات فيكِ هنَّ أيقونات الصمود، يحملن في قلوبهنّ ألم الفقدان، لكنهن يزرعن في أبنائهنّ الأمل والعزيمة. في كل مرة يودعن فيها شهيداً، تزداد قوتهنّ ويكبر فيهنّ الإيمان بأن الحرية قريبة. كيف لا وأنتِ يا غزة، أم الشهداء، تسطرين بدماء أبنائك تاريخاً يعلّم العالم دروساً في التضحية وحب الوطن.
غزة، على الرغم من القسوة التي تعيشينها، فإن الأمل فيكِ لا يموت. أطفالك يكبرون على قصص الشهداء، يتعلمون أن الحرية تستحق كل شيء، حتى الحياة نفسها. أنتِ مدينة لا تنحني ولا تنكسر، بل تعلّمين العالم معنى الصمود في وجه العواصف.
ويا أم الشهداء، أيتها الأم التي قدمت أغلى ما تملك، أنتِ رمزٌ للحب والتضحية. تحملين في قلبكِ ألماً يفوق الوصف، ولكن في روحكِ قوةٌ لا تنكسر. فيكِ تتجلى عظَمة الأم الفلسطينية التي لا تضعف أمام المصاعب، بل تجد في كل استشهاد قوة جديدة، وإصراراً على المضيّ في طريق الحرية.
غزة، ستكتبين التاريخ بصمودكِ، ستبقى تضحيات أبنائك مشعلاً يُنير دروب الحرية، وستظل حكايات الشهداء تُروى للأجيال القادمة لتعلمهم دروساً في العزة والكرامة. ستأتي اللحظة التي تنتصرين فيها، وسيشهد العالم كله أن “أم الشهداء” لم تكن فقط لقباً، بل هوية لأرضٍ لا تُهزم.
يا غزة، ستبقين مشعلاً لا ينطفئ، نوركِ سيظل يضيء للأمة طريق الكفاح من أجل الحرية والعدالة، وستظل أرواح الشهداء تحيا في قلوب كل من ينشد الكرامة. أنتِ يا أم الشهداء، حكاية أمةٍ بأكملها، حكاية لا تُنسى ولا تنتهي.