العطر في التراث الأثري العُماني: استكشاف الثقافة العطرية عبر التاريخ
أشواق العمرية
تشكل العطور جزءًا هامًا من التراث الثقافي والإنساني، خاصة في منطقة شبه الجزيرة العربية، حيث احتلت مكانة بارزة في الحياة اليومية في سلطنة عُمان، التي تعتبر واحدة من أبرز الحضارات القديمة في شبه الجزيرة العربية. كان للعطر دور كبير، وهو ما تسلط عليه المحاضرات العلمية الضوء من خلال الأدلة الأثرية المكتشفة في المواقع الأثرية العُمانية.
الدكتور محمد البلوشي:
التراث العطري في عُمان القديمة
تشير الأدلة الأثرية المكتشفة في مواقع من العصر البرونزي في سلطنة عُمان إلى أن العطر كان جزءاً لا يتجزأ من الثقافة القديمة في البلاد، في تلك الفترة التي تعود إلى ما قبل التاريخ، كان للعطور استخدامات متعددة، سواء في الطقوس الدينية أو في الحياة اليومية، وقد اكتشفت الأدوات المتعلقة بتحضير العطور مثل القوارير والأواني الفخارية التي كانت تستخدم لحفظ المواد العطرية.
المواقع الأثرية: شهادات على التاريخ العطري.
أظهرت الحفريات في مواقع مثل “موقع بات” و”موقع بهلا” في شمال سلطنة عُمان دلائل على استخدام المواد العطرية في تلك الحقبة الزمنية، وتشمل هذه الأدلة على سبيل المثال؛ بقايا المواد النباتية والأشجار المستخدمة في استخراج الزيوت العطرية، مثل اللبان والمُرّ، وهما عنصران كانا يكتسبان شهرة كبيرة في التجارة العطرية القديمة.
وفي الجانب الآخر تحدث الدكتور حسين المشهور عن تاريخ تجارة اللبان في سلطنة عُمان:
كان اللبان العُماني، خصوصًا ذلك الذي يأتي من محافظة ظفار، يحتل مكانة مرموقة في الأسواق العالمية القديمة. وقد اعتمدت الحضارات القديمة على اللبان في الشعائر الدينية والطقوس الملكية؛ حيث كان يستخدم في البخور وتقديمه كقربان للآلهة. واعتبر المصريون القدماء اللبان العُماني عنصرًا مهمًا في تحنيط الملوك وحفظ الجثامين؛ مما جعله سلعة ثمينة للغاية.
إلى جانب الأهمية التاريخية، ظلت تجارة اللبان والطيب تشكل جزءًا مهمًا من الاقتصاد العُماني، ولا تزال محافظة ظفار حتى يومنا هذا موطنًا لأفضل أنواع اللبان في العالم، ويعتبر اللبان العُماني ذا جودة عالية بسبب المناخ المثالي وظروف التربة التي تساهم في زراعة أشجار اللبان.
المحور الثالث تحدث فيه الدكتور جمال الصباحي قائلا:
تعتبر النباتات العطرية في سلطنة عُمان جزءاً من التراث الطبيعي والثقافي للبلاد؛ حيث تلعب دوراً حيوياً في حياة السكان منذ قرون، حيث تنتشر هذه النباتات في مختلف مناطق سلطنة عُمان وتُستخدم في العديد من الأغراض؛ مثل الطب التقليدي، الطهي، وتحضير العطور والبخور؛ مما جعلها جزءاً لا يتجزأ من الهوية العُمانية.
ومن جانب آخر أشار الدكتور إلى الاستخدامات التقليدية التي لطالما كانت النباتات العطرية جزءاً لا يتجزأ من الطب التقليدي في سلطنة عُمان، وكانت تُستخدم لتخفيف الآلام وعلاج الجروح وتنشيط الجسم وعلى سبيل المثال. يُستخدم اللبان كمضاد للالتهابات ويُستعمل الريحان كعلاج للصداع ولتعزيز الهضم.
كما تستخدم النباتات العطرية في تحضير العديد من الأطباق التقليدية؛ مما يضفي نكهة خاصة للأطعمة العُمانية.
المحور الرابع تضمن مناقشة الدكتورة فاطمة الراعية: “العطر رسالة واسم العطر عنوان لتلك الرسالة”
العطر بالنسبة للدكتورة فاطمة ليس فقط رائحة جميلة، بل هو تعبير عن الذات وعن الانطباع الذي نريد أن نتركه لدى الآخرين. وتؤكد أن كل شخص يجب أن يختار العطر الذي يعكس شخصيته، مزاجه، وقيمه؛ مما يجعل من كل زجاجة عطر رسالة فريدة تعبر عن هوية من يرتديها.
تشير الدكتورة أيضًا إلى أن اسم العطر لا يقل أهمية عن مكوناته، فهو “عنوان” تلك الرسالة التي يرسلها صاحب العطر، وتؤكد على ضرورة أن يكون الاسم متناسقًا مع محتوى العطر، بحيث ينقل الفكرة والروح المراد إيصالها بشكل متكامل، فاسم العطر يمكن أن يكون أول انطباع يتركه على الناس قبل أن يستنشقوا رائحته؛ وبالتالي يجب أن يكون لائقًا ومعبرًا.
وترى أن اختيار العطر المثالي يتطلب فهمًا عميقًا للذوق الشخصي وللمناسبة التي يتم استخدامها فيها. فالعطور ليست مجرد زينة؛ بل هي جزء من لغة الجسد التي يمكن من خلالها إيصال مشاعر معينة، مثل الثقة، الجاذبية، الهدوء، أو حتى الحنين.
في نهاية حديثها، تنصح الدكتورة فاطمة الجميع بإرسال رسائلهم العطرية بعناية، قائلة: “لنرسل رسالتنا، بمحتوى جيد وبعنوان لائق”؛ فالعطر ليس مجرد ترف، بل هو أداة تعبير شخصية قوية تعكس ذوق الإنسان وروحه.
وأخيرًا:
أن المحاضرات والندوات التي تسلط الضوء على استخدام العطر في سلطنة عُمان القديمة تسهم في إحياء تراث ثقافي غني، وتساعد في فهم أعمق للتقاليد التي ورثتها الأجيال على مر العصور؛ حيث أن هذه الدراسات ليست فقط وسيلة لاستكشاف الماضي، بل هي أيضًا نافذة لفهم تأثير هذا التراث على الحاضر، حيث لا تزال العطور تلعب دورًا محوريًا في الهوية الثقافية.