الاستثارة الفائقة لذوي الموهبة
د. إنعام بنت محمد المقيمية
مستشارة نفسية في رعاية الموهوبين
هل لاحظتَ يوماً أنك تستيقظ فجاةً من الشعور بالضياع، وأنك بدأت تلملم شتات فكرك، ومقومات شخصيتك المتفككة، وجدت نفسك أمام فرص واعدة للنمو والتطور تحثك على إعادة بناء ذاتك، والتعرف إليها بشكل أفضل واستثمار مكامن القوة فيها؟ ولعل القارئ الكريم يتأمل في نفسه أو أفراداً يعرفهم مرّوا بصعوبات مفصلية في حياتهم وخرجوا منها فيما بعد بصورة أقوى وأشد عوداً ورضىً عن أنفسهم.
نظرية التفكك الإيجابي هي نظرية طورها الطبيب النفسيّ دابروفسكي، وهي إحدى النظريات المتعلقة بالنمو الانفعالي المرتبطة بالتطور الشخصي العامّ، وتنصّ على قدرة العقل البشري على الانفصال عن التجارب السلبية وتنمية المشاعر الإيجابية.
فهناك تحديات يمرّ بها الفرد في حياته هي بمثابة فرصة سانحة نحو التغير والنمو. ويختلف استعداد كل فرد للنمو والتطور حسب عدة عوامل، وواحدة من هذه العوامل ما أطلق عليها مسمى “الاستثارة الفائقة”، وهذا المفهوم أصبح من العناصر التي تقوم عليها كثير من الدراسات في مجال الموهبة. وتشير إلى زيادة الوعي والقدرة على الاستجابة لمجموعة من المحفزات الداخلية والخارجية. وعلى الرغم من وجود جدل حول ما إذا كان الأفراد ذوو الموهبة يعايشون الاستثارة الفائقة إلى حدٍّ أكبر من الأفراد الآخرين أم لا، إلا أن هذا المفهوم لعب دوراً مهمّاً في فهم كيفية بناء الخبرات الشخصية لدى ذوي الموهبة، لذلك نجد أن الموهوب لديه استجابة للمواقف والتجارب مختلفة عن غيره. فهي أشبه بمزوّد طاقة متدرج السرعات والمستويات تزوّد الموهوب بالطاقة التي يحتاجها وفق قدراته ومستوى الاستثارة لديه. فإذا ما وجّهت هذه الطاقة أو الاستثارة من قِبل الموهوب، واستُثمرت بالطريقة السليمة، فقد تنشأ عنها سلوكيات مندفعة وغير مقبولة في المجتمع، أو قد تخلّف لديه عدة اضطرابات.
فممن خلال عملي في تطبيق البرامج الإثرائية للموهوبين في المجال الانفعالي، وجدتُ أن أغلب الموهوبين تنقصهم الاستثارة في اكتشاف ذواتهم ومواهبهم، لعدم توفر البيئة الداعمة والبرامج المثيرة، فتجده مضطربا أو مُحبطاً، ومنهم من اتخذت طاقة استثارته شكل أنشطة قهرية كالتمرد والجنوح نحو العنف. ومع اختلاف ردّات الاستثارة لكل موهوب، إلا أن جميع الموهوبين يشتركون في الاستثارة الفائقة التي تلعب دوراً أساساً في تشكيل حياتهم، واستعداداتهم، وبناء خبراتهم، حيث اعتبر الطبيب النفسي دابروفسكي أن النمو الانفعالي هو البُعد الأساسي للحياة البشرية، وأن الاستثارة العاطفية الفائقة هي منبع الاستثارات الأخرى. وعليه، تبرز هنا أهمية إعداد البرامج الإثرائية للموهوب في الرعاية النفسية، فبلوغ النموّ المعرفيّ للموهوب لا يعني بالضرورة حدوث تقدم مماثل له في النموّ النفسي والاجتماعي.