قصة قصيرة سأكسر القيود ( الجزء الثاني )
خلفان بن علي بن خميس الرواحي
أخذ اللحاف وغطى نفسه به، وكأنه يحس بالبرد، نام في سبات عميق، بالخارج كانت أمه تناقش والده في حاله، ومما قالته له: أصبح أنور الآن رجلا ليس كالسابق، ويحتاج أن يخرج للمجتمع حتى يختلط به، ويتعود على العالم الخارجي. الأب لا يتكلم، فقط ينظر إليها ويهز رأسه تأكيدا على موافقته لها، يرن هاتفه يخرجه من جيبه يرفع يده مودعا إياها، تصرخ فيه: أنت هكذا كلما ناقشنا موضوع أنور تهرب! لا يلتفت لها، ويواصل طريقه في الخروج من المنزل، وتنهض هي متجهة إلى غرفة ابنها، تفتح الباب وتنظر إليه: متى تخرج من هذه الغرفة سوف تجد العالم مختلفا عما تظنه أنت. تقترب منه، وتطبع قبلة على جبهته وتخرج من عنده. تغلق الباب عليه حتى يواصل هو انطواءه عن البقية.
خلال نومه كان أنور كثيرا ما يحلم بأمور غريبة، بعضها كان يقصها على أمه، وبعضها الآخر يحتفظ بها لنفسه من تلك الأحلام التي مرت به ولم يبح بها، أنه أجرى عملية جراحية في أحد المستشفيات المتخصصة بعمليات التجميل، وقام بتغيير وجهه إلى وجه آخر مختلف استطاع الحياة به بصورة أفضل. هذا الحلم كان يتكرر عليه كثيرا لأن داخله يريد أن يغير وجه. ما زال نائما، وأثناء نومه كان يتحرك كثيرا، وكأنه يواصل مرحلة الأحلام، فجأة ينهض صارخا: لا، لا أريد هذا الوجه، أعيدوا لي ذلك الوجه الدميم. تسمع الأم صراخه وتسرع حتى تطمئن عليه، أنور ما بك؟ ينظر لها: لا شيء مجرد حلم. تقربه إلى صدرها وتهمس إليه: أنت وهذه الأحلام التي لا تنقطع عنك، قم واخرج معنا قليلا، غير جو الغرفة واجلس مع إخوتك. ينهض من فراشه، ويتجه إلى دورة المياه حتى يغسل وجه، ويزرع النشاط بجسده. أمه وهي تخرج: سوف أعد لك بعض السندويشات حتى تأكلها مع كوب الحليب.
في صالة الجلوس كان إخوة أنور مجتمعين لمتابعة فلم أجنبي على إحدى القنوات، جلس معهم. في الشريط على أسفل الشاشة يظهر اسم الفلم، الذي شد أنور كثيرا حتى أن أحد الإخوة أراد تغيير القناة، ولكن أنور طلب منه أن يبقيه ولا يغيره. FACE OFF كان الاسم الظاهر أسفل الشاشة على الجانب الأيمن منها، في نفسه قال أنور: هذا ما كنت أبحث عنه لا بد أن أتابع الفلم حتى النهاية. تأتي الأم بالحليب والسندويشات، يأخذها ويضعها بالقرب منه، يتناول رشفة من الحليب وجزءا من السندويشة الأولى، وهو لا يتكلم، فقط يتابع ويمنع الآخرين من الحديث، انسحب الجميع، ولم يبق إلا هو. كان الفلم يحقق رغبة أنور في خلع وجه واستبداله بوجه آخر. هل كانت القناة تقرأ أفكاره أم حدث تصادف بين رغباته وما تعرضه القناة؟ المهم أنه وجد شيئا يساعده على الخلاص مما هو فيه. لكن هل في الواقع يمكن أن يحدث ذلك أم أنه مجرد قصة فلم وخيال ليس لها علاقة بالواقع؟ لا يعرف، سوف يبحث ليصل إلى شيء يفيده. أكل السندويشة الثانية، وشرب ما تبقى من الحليب، واتجه مجددا إلى غرفته.
في غرفته بدأ رسم ملامح وجهه الجديد، كيف سيكون؟ ومن هنا بدأ يقول في داخله: بعدها سوف أنطلق للعالم، وأحقق ما لم أحققه خلال حياتي السابقة، سأكوّن صداقات مع كل زملائي في الصف، وأزور أهلي جميعا، سأتغير كليا، سأقتل أنور السابق، وأرمي بكل الذكريات مع وجهه الكئيب، وأجلب حياة أجمل مع هذا الوجه الذي اخترته لنفسي. السعادة كانت واضحة عليه، وكأن أمرا عظيما حققه، ولأول مرة يخرج من الغرفة ويتجه لأمه، تفرح بقدومه إليها، لقد كان مختلفا، ليس أنور السابق، يقول لها وهو مبتسم: سوف أذهب لزيارة (أحمد). لم تصدق الأم ذلك، وتهرع مسرعة كي تفتح له الباب. اذهب .. اذهب. يخرج، وتتصل لزوجها يرن هاتفه تواصل الفرحة، وتقول له: أبشر، لقد خرج أحمد أخيرا بنفسه، وذهب لزيارة أحد زملائه في المدرسة. يرد عليها. وتقول له: نعم، لقد خرج. تغلق الهاتف، وتغلق الباب، وكأنها لا تريد من ابنها العودة من جديد. دخلت وجلست على أحد الكراسي بالصالة، وهي تحدث نفسها: الحمد لله أخيرا خرج أنور، لكن ليس المهم أنه خرج، ولكن المهم هل سيواصل أم سيعود كما كان بعد عودته من عند صديقه؟!