فيضان تاريخيّ، وملحمةٌ مجتمعية
بقلم: مبارك بن سعود الحرسوسي
الوسطى وبالتحديد ولاية محوت، تسجل استقبال أعلى كميات مياه في تاريخها الحديث، رغم عدم نزول الأمطار عليها، حيث تهطل أمطار الخير على سلطنة عُمان، وتكون محافظة الوسطى مصبّاً لأهم وأطول واديين في سلطنة عُمان (وادي عندام – وادي حلفين) ومصبُّ هذين الواديين ولاية محوت بمحافظة الوسطى، حيث أن منخفض المطير كان استثنائياً بكميات الأمطار المتتالية.
نعم، محافظة الوسطى لم تشهد سوى أمطار خفيفة، ولكنها تتحمل مصبّ كل الأمطار الجارفة من رؤوس الجبال من ولايات سمائل وإزكي ونزوى وأدم والمضيبي وسناو، بحيث تقطع المياه مئات الكيلو مترات، ولكن هذه المرة كانت جارفة بمعنى الكلمة، فوادي حلفين وصل (لقوع الجوبة) الذي شكل بحراً هائلاً من المياه طالت جسر الجوبة الذي يصل ارتفاعه قرابة ثلاثة أمتار، وتدفقت المياه لعدة كيلو مترات داخل سهل الجوبة مؤثّرةً على المنازل، قاطعةً الحركة باتجاه مركز الولاية من الشرق، فأصبح الطريق غير سالك باتجاه جزء من مركز الولاية ومنطقة شنة وقرية النجدة وولاية مصيرة وباقي ولايات جنوب الشرقية، كذلك من الشرق وادي عندام أفرغ كميات هائلة من المياه في وادي السيل بولاية محوت، وفاضت المياه باتجاه المنازل وقطعت كافة الطرق ومصبّ كلا الواديين باتجاه بحر العرب.
تحدثنا عن وصول هذه النعمة العظيمة، ولكن لا ننسى التأثيرات الكبيرة التي صاحبت هذه الحالة وما رافقها من جهود رائعة وملحمة تاريخية من قِبل المجتمع وكافة المؤسسات الحكومية والأهلية والخاصة، فمنذ بداية التحذيرات بغزارة الأمطار تم تفعيل اللجنة الفرعية للحالات الطارئة بمحافظة الوسطى، وزيارة سعادة الشيخ المحافظ للاطّلاع على عمل اللجنة، والزيارة التي قام بها المحافظ مع أعضاء اللجنة، وسعادة الشيخ والي محوت وبمشاركة عدد من المسؤولين وعدد من أعضاء المجلس البلدي بالمحافظة، والاطّلاع المباشر على مراكز الإيواء والالتقاء بالمواطنين وتوجيه كل ما يحتاجه المواطن في هذه المراكز، مع توجيه الجهات المختصة للإسراع في عودة الحياة إلى طبيعتها في أقرب وقت رغم صعوبة الوضع.
وهناك محطة أخرى لفتت انتباه الجميع، وهو التفاف أبناء ولاية محوت خاصة ومحافظة الوسطى عامة للمشاركة في هذه الملحمة الوطنية، حيث أن الجميع يشيد ويثني على دور الشباب المتطوعين الذين ضربوا أروع الأمثلة في التضحية، سواء من خلال المشاركة في خدمة مراكز الإيواء أو أصحاب القوارب الذين يوصلون الليل بالنهار في خدمة الإنقاذ لأصحاب العزب، أو نقل الناس من منطقة لأخرى في الأوقات المهمة، ولا ننسى أن كل من نقل إلينا سواء أحداث الأمطار أو الأضرار أو الجهود المبذولة من قِبل الأهالي والمؤسسات الحكومية والأهلية والخاصة، إنهم الشباب أصحاب وسائل التواصل الاجتماعي من ولاية محوت وكافة ولايات المحافظة الذين ضحّوا بأوقاتهم وأنفسهم لنقل الصورة، حيث أصبحوا العدسة الوحيدة التي نشرت عن هذه الأحداث الاستثنائية.
إن ما مرّت به ولاية محوت من أحداث استثنائية أثبتت لنا جميعاً أن الوسطى من مؤسسات حكومية عسكرية ومدنية ومجتمع مدني يشكلون لُحمة واحدة لتحقيق هدف واحد؛ وهو سلامة المواطن وتقليل الأضرار، وتوفير كافة سُبل الراحة وعودة الحياة بأقرب وقت ممكن.
وبالتأكيد فإن كافة المقترحات والملاحظات قد استمع إليها المسؤولون من خلال زياراتهم ولقاءاتهم المباشرة مع المواطنين. ونسأل الله دائماً أن يحفظ سلطنة عُمان وشعبها تحت ظل القيادة الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه، الذي يوجّه المسؤولين دائماً لخدمة المواطنين والاستماع لمطالبهم.