لست متحجبة!
محفوظ بن خميس السعدي
القيم والأسرة جناحان لا مفر منهما، لبناء أمة متمكنة من أسباب القوة والمناعة وتدعيم أركان الرفعة لكل مجتمع يرقى بقيمه ومثله العليا التي تبني أمم متحضرة حسب مفهوم الحضارة الإنسانية السليم، وليس بناء على مصطلح مستنسخ من العالم الغربي الغريب بقيمة ومثله العليا التي يتشدق بها في كل وقت وحين.
القيم والأسرة مصطلحان واضحان وضوح الشمس في رابعة النهار بأنهم مستهدفان من أطراف تعاني من أمراض الحقد والبغضاء، وتعمل ليلا ونهارا على هدم تلك القيم، وتمييع مفهوم الأسرة، والهجوم على المؤسسة الأمومية والأبوية فيه، وتطعيم الأبناء بمفاهيم مستحدثة، وبأدوات ووسائل متعددة؛ من أجل خلق جيل غير واعي بقيمة وأخلاقه ومبادئه، وغير مهتم ببناء أسر ذات أسس متينة؛ لتكون نواة لمجتمع عمدانه الأخلاق والقيم.
فقبل أيام من تاريخ كتابة هذا المقال، وبالتحديد في الرابع من فبراير من السنة الجارية، نظمت مؤسسة الإمام جابر بن زيد الوقفية؛ وهي مؤسسة من مؤسسات العمل التطوعي والأهلي بسلطنة عُمان، ندوة بعنوان “الأسرة وبناء القيم”، وذلك على مدار ثلاثة أيام بمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض، ناقش فيها العديد من الأوراق البحثية التي تم فيها تناول الأسرة والقيم في إحدى عشر جلسة نقاشية، ومناقشة ثلاثة محاور رئيسة، وثلاث حلقات عمل، طرح فيها العديد من الباحثين والدارسين لشؤون الأسرة والقيم -من داخل وخارج السلطنة- روزنامة من الأطروحات العلمية، وتم شرح مجموعة من الظواهر الأسرية والاجتماعية، وقد لفت انتباهي موضوع نشر الوعي بأهم تحديات العولمة وتأثيرها على الأسرة، حيث قيض الله لي قبل ثلاثة وعشرون عاماً أن أحضر ملتقى الشارقة الثاني للشباب العربى، الذي نظمته دائرة الثقافة والأعلام بالشارقة، خلال الفترة من 6 وحتى 10 فبراير 2000م، بمشاركة ثمانون شاباً يمثلون الأندية العلمية والثقافية والجامعات، من ستة عشر دولة عربية.
وأذكر خلال لقاءنا بسمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسي حاكم الشارقة، وبحضور العالم العربي العالمي أحمد زويل، وكان الملتقي بعنوان “العولمة والشباب”، وساق فيه المشاركون عدداً من الأوراق البحثية، وانصبت أيضا العديد من الآراء والأفكار آنذاك حول مجابهة أو مواجهة آثار العولمة على النشء وعلى الأسرة وعلى الشباب، وكان هناك شبه، أجمع أن العولمة خطر يتهدد الشباب، وهنا ذكر صاحب السمو الشيخ الدكتور حاكم الشارقة “أن على الشباب العربى الانتباه لمخاطر الاندفاع وراء المفاهيم والمصطلحات الجديدة التي يتشدق بها العالم اليوم، دون الانتباه إلى ما تنطوي عليه من مخاطر وما تحمله لنا من أسباب الخراب والدمار، وأن العولمة تسعى إلى تكبيلنا بقوانين والتزامات لا نستطيع منها فكاكا؛ بهدف زعزعة أيماننا، بهويتنا، ومعتقداتنا، وخلخلة جذورنا بدعوى مفاهيم براقة لا قبل لنا بها، وتستهدف شبابنا وأمتنا للقضاء على هويتنا وآمالنا فى وحدة قوية”، والحديث لصاحب السمو الشيخ الدكتور يجر إلى أن القيم والأسرة بعد مضي تلك السنوات لم تعد العولمة هي الوحيدة التي تهددهما؛ وإنما جاءت بثوب جديد، وفي شكل براق تحت غطاء العولمة الرقمية لتزيد الطين بلة، وتجعل من العولمة كقرية صغيرة يفرض فيها القوى قيمه ومبادئه فرضاً على الأمم بقوة تلك الوسائل، وبخلفية سياسية واجتماعية بحكم الجغرافيا والمكان والقوة العسكرية، وما يحدث في غزة الآن هو أيضا في سياق محاربة القيم والأسرة، ولا يسعني هنا سواء تذكر تلك الفتاة الفلسطينية في عمر الزهور من غزة العزة تحت أطنان من الإسمنت بعد قصف المبنى السكني الذي تسكن فيه من قبل قوات الاحتلال، وهي تشير إلى المصور بالقول “عمي لا تصورني لأني لست محجبة”، تلك العبارات تختصر القيم والمبادئ، وتعطي دافع قوي على تعزيزها لدى جميع أفراد المجتمع.
نعم، لقد حسنت وفعلت هذه الندوة فعلا، وجزى الله خير الجزاء لمن نظم تلك الندوة التي أبحرت في الهنات والصعوبات والاشكاليات التي تعترض مسيرة الأسرة في سبيل إنشاء جيل واعي متمكن من أدوات وأسباب البقاء بين الأمم، ديدانه العلم والبحث وشعاره الدائم المحافظة على الهوية العربية الإسلامية من حيث الشكل والمضمون؛ فهذه الندوة سعت إلى لفت الانتباه بأهمية الأسرة في بناء المجتمعات، والعمل على تطعيم النشء بالأخلاق الحميدة، والسلوكيات المجتمعية الطيبة والثبات عليها، وأن يتم التنافر مع أي فكرة جديدة ومستحدثة تتعارض مع قيم وأخلاقيات الإنسان التي تربي عليها.