يا رَفيفاً
( بحر الرَمَل )
شعر : حمد الراشدي
مسقط
١٨ جمادى الآخرة ١٤٤٥ هـ – ١ يناير ٢٠٢٤ م
يا رَفيفاً مِنْ دُوَيْحاتِ الشَّجَرْ
زادَ نَضْراً كُلَّما جادَ المطَرْ
حَلَّ كانونٌ فَحَلّاكَ كما
حَلَتِ الغِزْلانُ في بيْتِ الشَّعَرْ
طِبْتِ يا أَفْناءُ عَيْشاً فابْشِري
هٰذهِ النَّسْماتُ تُنْبيكِ الخَبَرْ
ها هِيَ الأَجْواءُ في حُضْنِ الصَّفا
لا طغى الحَرُّ ولا الماءُ ازْمَهَرّْ
كُلُّ ما في الأرْضِ مأْنوسُ الحَشا
والعُيونُ النُّجْلُ جَلّاها حَوَرْ
رَقَّتِ الأغْصانُ تُهْدي حُبَّها
مَنْ دَنا مِنْها وعانىٰ مِنْ ضَجَرْ
تَنْشُدُ الآفاقُ تَرْنيماً على
ضَحِكاتِ النَّخْلِ بالطَّلْعِ ابْتَدَرْ
غَنِّ يا البُلْبلُ وابْسُطْ أجْنِحاً
قد وَجدْتَ العُودَ مَمْلوءًا زَهَرْ
جِئْتَ مِنْ بُعْدٍ فأَهْلاً مَرْحَبا
أنْتَ في الدّارِ فلا تَخْشَ الخَطَرْ
أيْقِظِ الْهُدْهُدَ مِنْ نَوْمِ الدُّجىٰ
واعْزِفا اللّحْنَ كتَقْسيمِ الوَتَرْ
شَنِّفا الأسْماعَ تَغْريدَ الوَفا
لَقِّنا الْأرْواحَ عَوْذاتِ الكِبَرْ
واحْمِلا الحُبَّ إلى كُلِّ النُّحى
مِنْ ربوعٍ في ظِلالٍ تُسْتَسَرّْ
ليْسَ لِلأحْزانِ بَيْتٌ ها هُنا
غادرَ الحُزْنُ مَهيناً واسْتَتَرْ
حِينَ يَحْكي الرَّوْضُ إبْداعَ السَّما
تُصْبِحُ الأسماءُ نَبْساً مِنْ دُرَرْ
ومتىٰ يَخْفِقُ مَعْلولُ المَسا
هامِساً بالحُبِّ كالدُّرِّ انْتَثَرْ
وقْتَها لا شَيءَ يبقىٰ شاحِباً
لَوْنُ ما في القَلْبِ مِنْ ضَوْءِ القَمَرْ
وحَكايا اللّيلِ تُمْسي مَغْنَما
في مَريعٍ مِنْ لقاءاتِ السَّمَرْ
أيْنَ سِرْنا مِنْ مَتاهاتِ الدُّنا
نسْمَعُ البَوْحَ تَراتيلَ السَّهَرْ
في مَدى الأيّامِ حُسْنٌ باذِخٌ
بَيْدَ أنَّ القَلْبَ غادٍ بالحَذَر
قالَ : بَصِّرْني قليلاً حُسْنَها
قُلْتُ : إطْرَحْ مِنْ تضاعيفِ الكَدَرْ
قالَ : أسْرَفْتَ بها لِيْ آنِفاً
قُلْتُ : والآنَ فَعاوِدْها نَظَرْ
أُكتُبِ التَّعْبيرَ مِنَ نور الضُّحى
وانْسَ ما فاتَ قَديماً وانْكَسَرْ
إقْلِبِ الصَّفْحةَ دَوْماً كيْ ترَى
أنَّ بُؤسَ النّاسِ يُنْهىٰ بالظَفَرْ
قال : إنَّ الصِّدْقَ في النّاسِ انْصَدى
لا تُرَوِّي الصِّدْقَ زَخّاتُ السَّحَرْ
والدَّعاوي مِثْلُ هَبَّاتِ الصَّبا
تَفْتُنُ الصُّبْحَ وتُمْسي كالبَعَرْ
جُلُّهُمْ في القَوْلِ مَسْكونُ الأَنا
مِثْلُهُمْ في الفِعْلِ خَدّامُ الوَطَرْ
قُلْتُ : لِلْمَمْلوءِ في الكأْسِ نَرىٰ
وعنِ الفارغِ نُولِيْ بالْبَصَرْ
ونُداري نَبْتَغي الحِلْمَ جرىٰ
كيْ يَبينَ الخَيْرُ وضّاحَ الصُّوَر
و” نَعَمْ ” نَكْتُبُها طُغْراءَ في
دَفْتَرِ الصِّدْقِ و “لا ” لا للضَّرَرْ
فهيَ الْكوْنُ فَسيحاً صالحاً
جادَ بالتَّحْقيقِ مَنْ ساسَ الغِيَرْ
قال : إنّ الشَّرَّ أرْسى مُلْكَهُ
ولهُ الأجْنادُ في بحْرٍ وبَر ّْ
صارَ في الأرْضِ رِكاباً لِلأُلى
يبْتَغونَ الْبَغْيَ قَصْداً في البَشَرْ
زادتِ الأطْماعُ وابْتُزَّ الْحَيا
وانْبَرى الإِجْرامُ والفَتْكُ ازْدَهَرْ
واسْتَحالَ الأمْرُ لِلأَقْوى على
ضُعَفاءِ الْخَلْقِ والخُلْقُ انْدثَرْ
قُلْتُ : هلْ في النّاسِ طَبْعٌ غيْرُ ذا ؟
مُنْذُ حَلَّوا الكوْنَ والجُورُ انْتَشَرْ
أحْفُدٌ مِنْ قاتِلٍ ما ذا تُرى
أنْ يكونوا في سُوَيْعاتِ البَطَرْ
بيْدَ أنَّ الشَّرَّ يُلْفَى واهِياً
طالَما صُدَّ بما كانَ اسْتَشَرّْ
لا يَفِتُّ الصَّخْرَ إلاّ مِعْوَلٌ
عَزْمُهُ الضَّرْبُ بَقَدَّاحِ الشَّرَرْ
وإذا النَّصْرُ تَأَتَّىٰ بِالْعَنا
فهُوَ الخَيْرُ على الشَّرِّ اقْتَدَرْ
كُلَّما لاقيْتَ شَرّاً قُلْ لهُ
أنْتَ مهْزومٌ بِتأْييدِ القَدَرْ
في ستُورِ الدَّهْرِ ما يُعطي الرّجا
نَحْوَ نورٍ باهِرٍ فَتْحاً غَمَرْ
لا تُرَجَّى السُّحْبُ إلاّ راكِماً
يَحْجِبُ الأجْواءَ فالْغَيْثُ انْهَمَرْ
صافِحِ الآفاقَ في أوْساعهِا
واتْرُكِ التَّضْييقَ وارْدُمْها حُفَرْ
قَوِّ بالإيمانِ قلْباً خافقاً
جُدْ بِثَغْرِ الصِّدْقِ للباري شَكَرْ
وافْتَحِ الأبْوابَ تَبْقىٰ شُرَّعاً
يدْخُلُ التَّمْوينُ مِنْها لِلْفِكَرْ