مقال : ناصر بن مرشد ،، ما زال النبع يجري
بقلم : مهنا بن صالح اللمكي
سار في صباحيته يحمل معه مصحفه ، وبعد أن اجتاز الدروب ومزارع النخيل ، وجد أمامه الأستاذ الفاضل هلال بن مبارك المقبالي وهو يخط بأدواته البدائية وأنامله الإبداعية أول لوحة لمدرسة الأمام ناصر بن مرشد ويكتب شهادة ميلاد لعهد جديد للرستاق وأهلها.
وبعد عامين يعود هذا الطفل ،ليلتحق كطالب في هذه المدرسة ، بعد أن أستخرج له تقدير سن من الطب الوقائي آن ذاك.
وفي أول يوم دراسي ، أبت الذاكرة أن تنسى ذلك المشهد الذي يخرج فيه الطلبة من جميع القرى المجاورة للمدرسة والبعيدة أيضا ، كأنه يوم عيد ، معهم أولياء أمورهم وأمهاتهم يحملن حقائبهم ، وكانت من أروع المناظر الاجتماعية .
تم بناء المدرسة بمواد غير ثابته، ولكن بجيل من الاساتذة والموظفين كانوا كالطود والجبال الشامخة إخلاقيا وعلميا .
كان للعم مصبح والعم حبيب وأخوانه وزملائه حراس ومراسلي المدرسة دورا كبير في غرس الاخلاق عمليا. فلم يقتصر دورهم على وظيفتهم فقط، لقد أعطونا دروسا عملية في حب العمل والإخلاص وصيانة مقدرات الوطن والتعاون المشترك، فتجدهم في كل ميادين المدرسة متى طلب منهم مساعدة أو عمل.
ولم يقتصر شيخنا الفاضل والمربي الكريم الاستاذ سعيد بن مطر المسقري بما فرض عليه من منهج ، رغم إن المناهج كانت قوية آنذاك . ولكنه سخر كل إمكاناته المادية والفكرية لأداء واجبه ، حتى بعد الدوام الرسمي وهو كان النموذج من ضمن النجوم التي لمعت في تلك الفترة من عمانيين ووافدين ، ولا أستطيع أن اذكرهم جميعا لكي لا أظلم أحد منهم ، فقد أدوا الأمانة بكل صدق وإخلاص ، رغم قلة الأمكانات وقلة مصادر المعرفة مقارنة ببحر من وسائل التواصل والبحث هذا اليوم.
وفي الجانب الآخر ، لم يكن طالب الأمس أقل ذكاء من طالب اليوم ، ولكن كان بسيطاً لم تشغله التكنولوجيا بخيرها وشرها ، لذلك كان عقله نقياً كالماء العذب لاتشوبه الشوائب ، حتمت عليه ظروف الحياة أن ينام مبكراً ويصحو مبكراً ليستقبل يومه الدراسي بكل نشاط وصفاء ذهن.
كل هذه العوامل السابقة أدت إلى سهولة التواصل الفكري بين المعلم والتلميذ ، لذلك شهدنا خروج جيل من هذه المدرسة العتيقة ، لهم دور ريادي في كل مجالات الدولة ، فمنهم الوزير والمدير وغيرها لا مجال لذكرها الآن ، ومنهم من عاد مربياً ومديراً في هذه المدرسة والمدارس الأخرى ولسان حاله يقول للأجيال السابقة ” إنا على عهدك ماضون من مجال طيب الذكر إلى أطيب “.
وكعراقة فلج الميسر والصائغي وابو ثعلب وعين الكسفة وجذورها الضاربة في عمق التاريخ رغم إنقطاع بعض سواعدها ، إلا انها لاتزال تجري وتروي مساحات النخيل والأشجار.
ولامتداد عددا لابأس به من جيل طلبة الأمس وأساتذة اليوم يبعث في النفس راحة وشعور بالإطمئنان ، وأن نبع مدرسة الإمام ناصر بن مرشد لا يزال يجري .