2024
Adsense
مقالات صحفية

مقال : الفيسبوك .. ولا صفحات الجرائد

أحمد بن سالم الفلاحي

shialoom@gmail.com

ترخي وسائل التواصل الاجتماعي سدولها اليوم على كافة مناحي الحياة اليومية لدى الإنسان، وترتب اهتماماته، واختياراته المختلفة للتوجه إلى نحو ما، أو التراجع عنه، وهي بذلك لا تملأ فراغاً ما، بقدر ما تصبح أهم محدد لنشاطات الإنسان المختلفة، وتوجهه نحو فعل ما، أو تأصيل قناعاته على أمر ما، أو العكس، وهذه الممارسة التي تفرضها هذه الوسائل على حياة الناس اليوم، لم تعد خياراً يقبل التعدد، بل تصبح خياراً مطلقاً، بعد أن كانت وسائل الإعلام التقليدية هي التي تحدد هذا الخيار المطلق، إن يجوز الحكم.

وانعكاساً لهذا الواقع المفرح المبكي، في آن واحد ، المفرح لأنه أتاح للإنسان البسيط أن يجد متنفساً للتعبير عن ذاته، وما تجيش به نفسه من أفكار ، وهواجس يتفاعل بها مع من حوله سواءً على مستوى المجتمع المحيط ، أو على مستوى المجتمع البشري بشكل عام ، فلم يعد الأمر مقتصراً على النخبة ، أو على أصحاب النفوذ في تمرير أفكارهم وآرائهم للمتلقي ، أما الأمر المبكي هو مستوى القيء الذي نقرأه هنا او هناك ، أيضا صادر عن العامة وعن النخبة إلى حد سواء ، فالجميع (النخبة والعوام) على ما يبدو متساوون في الإساءة إلى الآخر ، وهذا ما يؤسف له حقاً ، وفي كلا الأمرين أيضاً أنه لا رقيب ، وتبقى مجموعة القيم هي التي تحدد ما يجب نشره ، وما لا يجب ، وهي التي تحدد الغث من السمين ، وهي التي تنقي الخواطر والانفعالات ، وتشحذ الهمم والقناعات ، وهي التي تفصل أو تمايز بين مستويات الوعي الذي يمكن قراءتها هنا أو هناك من مجموع ما ينشر ، وهذه المسألة برمتها ليس في يد مؤسسة، أو كيان معين، وإنما في يد كل فرد على حده ، ومن هنا تبقى الملاحقة يكتنفها الكثير من العناء والرهان على رقم الهاتف الذي صدرت منه الرسالة رهان ليس كبيراً للنجاح في ظل العقول الذكية اليوم والتي يتميز بها الجيل الحالي .
ولذلك فهناك معاناة حقيقية في مساحة الاحتواء ، خاصة عندما تثأر قضايا وطنية على درجة كبيرة من الأهمية، وهذه المعناة ليس فقط في مسألة الوصول إلى المصدر الأول ، وإنما في احتواء الانتشار السريع ، حيث تتناسخ المصادر ، الذي يشبه “كالنار في الهشيم” يضاف إلى ذلك مجموعة الصور المظللة للواقع الحقيقي، مما يجعل المتلقي أو المتابع في حيرة من أمره إلى درجة كبيرة، ونعيش هذا الملمح المهم لهذا الوسائل ، سواءً على المستوى المحلي ، أو المستوى الإقليمي والدولي عندما تثار قضايا تأخذ درجة معينة من الاهتمام .
ماذا بقي إذن لصفحات الجرائد ، التي لا تزال تناضل لأجل البقاء؟ ومن وجهة نظر شخصية أرى أن صفحات الجرائد حافظت على رزانتها، وهيبتها، وقيمها، وجمالها إلى حد بعيد، ويكفيها شرفاً أنها لم تنزل منزلة الابتذال الذي تعيشه وسائل التواصل الاجتماعي، لا من حيث التهويل ، أو المغالطات ، أو المناوشات ، أو التجاوزات ، ذلك أن القيم التي آمنت بها الصحافة الورقية، وكرست على أساسها مبادئ المعرفة هي التي تعطيها اليوم أكثر من أي وقت مضى ، هذا النقاء، وهذه الموضوعية، صحيح أنها لن تستطيع أن تعيش هذا التوسع الأفقي في التوزيع ، لا مكاناً ولا زمناً، ولكنها تستطيع أن تكسب استحقاقاتها من خلال هذه الصورة النقية.
نعم مارس “حارس البوابة” الصحفية دوره في التدقيق ، وفي التحفظ ، وفي المراجعة الأولى والثانية ، وهو ما أكسبها بقاء مبادئها، وسلامة رسالتها إلى حد بعيد.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights