سيرة ذاتية …وأكثر
ثريا بنت علي الربيعية
حديثنا اليوم عن السيرة الذاتية وأهميتها، بالطبع ندرك جميعًا أنها من أولى الاهتمامات المستحدثة التي يسعى الكثير منا في تحسينها وتطويرها للوصول إلى الصورة اللامعة عن شخصيته وإنجازاته، ولهذا فقد حظيت بالمزيد من العناية؛ وليس أدل على ذلك من انتشار مواقع وتطبيقات متعددة على مواقع التواصل الاجتماعي تساهم في تقديمها وتصميمها بصورة مبتكرة لكل مقبل على وظيفة، ولكل راغب في التقدم في السلم المهني. ولأجل ذلك يستعرض فيها بياناته الشخصية ومساراته العلمية، بالإضافة إلى خبرته في المجال العملي.
وهنا قد يتبادر إلى الذهن سؤالًا لكل منا، هل هذه السيرة بكل ما تحتويه من شهادات وخبرات وتطلعات مستقبلية تُعبّر في حقيقتها عن ذات الشخص؟ أم أنها تمثل جزءًا يسيرًا من إنجازات فردية لا تصف الواقع؟. على أي حال أيًا كانت الإجابة فمن المؤكد لا يمكننا أن نقيس السيرة الذاتية بواقع سلوك الشخص وتعاملاته؛ ففي الكثير من الأحيان نجد أنفسنا أمام مفارقة كبيرة بين ما يملكه الشخص من رصيد في سيرته الذاتية وبين سيرته الأخلاقية، كيف لا ونحن نواجه مواقف حياتية، وقصصًا تتوالى على مسامعنا؛ تصور لنا بعض الناس ممن يحمل شهادات عالية وخبرات علمية متقدمة غير قادر على التعامل بخلق حسن مع أقرب الأقربين له، في المقابل هناك صورًا أخرى لأناس رغم بساطة مظهرهم، وحظهم القليل من الرصيد العلمي إلا أنه يضرب بهم الأمثال في أخلاقهم وتضحياتهم، أضف إلى ذلك أننا نتعلم منهم قدرًا وافرًا من رقي التعامل.
لا ننكر بالطبع أثر ثقافة الفرد وتعليمه على اكتسابه الكثير من المبادئ والمعارف الأساسية في فنون التخاطب والتعامل، بل أن يسعى كل منا لتطوير ذاته وصقلها بالتعليم والتدريب، لكن بؤرة الإشكال تكمن في مدى التزامنا تطبيق ما تعلمناه، والعمل بالقيم واقعًا. فقد نرى أستاذًا جامعيًا بلغ أيّما مبلغ من الدرجات العلمية، لكن في تعامله مع طلابه فظًا غليظ القلب فضلًا عن سواهم، فما كانت الشجاعة يومًا تقاس بالشهادات العلمية! وما كانت الخبرات مقياسًا للتواضع والصدق.
مما سبق نقول: إنما الإنسان أثر، وكل الفخر بمن يترك أثرًا خالدًا في النفوس بسيرته الطيبة -قبل شهاداته العلمية- باذلًا ما استطاع من الجهد الاهتمام بحاجات الناس وهموهم، ولا يجعل جُل همه الإنجازات الفردية فقط بل لا بد من التفاته الخير للغير، سعيًا للتخفيف عنهم وتقدير أحوالهم، وقد يبلُغ حسن الأثر وصدى المعروف هذا لما بعد موته.
ختامًا.. ما أعظم أن تكون لنا سيرة محمودة نسمو بها، وبأن تكون سيرة ذاتية وأكثر من ذلك.