مسؤول أعلى من المنصب
صالح بن خليفة القرني
تلقّيتُ درساً صباح اليوم في إحدى المؤسسات الحكومية، سيزيد من رصيدي المعرفيّ في الحياة والتعامل، فقد صادف أن التقيتُ بمسؤولٍ دمِث الخُلق، غاية في البساطة والتواضع، تحاورتُ معه معتقداً بأنه أحد الموظفين العاديين، فإذا بي أكتشف بأنه أعلى مسؤول في الجهة التي راجعتها اليوم لقضاء بعض المصالح.
هذا الدرس مفاده أن المناصب العُليا ومراكز المسؤولية لا تهزّ إلا أولئك المأخوذين بالمظاهر، المتعطّشين للمسميات الرنّانة. أمّا المخلصون فلا يعنيهم الاحتفاء بهم وتبجيلهم، لأنهم يُدركون أن المناصب تكليفٌ ومسؤولية عظيمة، ينبغي أن تؤدَّى بالشكل الذي يرضي الله، وليست مَواطن للخُيَلاء والتبختُر.
يقول غازي القصيبي في كتابه حياة في الإدارة: “لا أذكر أنني نمتُ ليلةً واحدةً وعلى مكتبي ورقة تحتاج لتوقيع، لأنني أدرك أن التوقيع الذي لن يستغرق مني سوى ثانية قد يعطّل مصالح الناس لأيام”.
إن الشعور بالمسؤولية والتفاني في قضاء مصالح الناس، قيمةٌ عُظمى ينبغى أن يتحلّى بها كلّ مسؤول، وينبغى أن تكون معياراً للتفاضُل بين المترشحين للمناصب العليا، فمَن كان ديدنهُ أداء الأمانة بالشكل المطلوب، استحقّ المنصب بكل جدارة.
أنزعجُ شخصياً حينما أجد مسؤولاً يتعامل بفوقية وتعالٍ على الناس، وكأن كرسيّهُ هدا أعطاه الحق في التكبّر على الناس، وقام بتوظيفه في البطش بهم وهضم حقوقهم، وكأنه سيخلد في المنصب إلى أبد الآبدين.
وبنفس الوقت، يُثلج صدري حينما أجد مسؤولاً يعامل الناس بدماثة وتبسط وتواضع ولِين جانب، فهو يدرك أن كرسيّه الذي يجلس عليه سيأتي من يجلس عليه غيره، ولن يبقى له إلا رصيده من محبة الناس له لإخلاصه وتعامله الحَسَن.
فهل المسؤول أكبر من المنصب؟ أم المنصب أعلى من المسؤول؟ واقع الحال يحكم.