لعله خير
ثريا بنت علي الربيعية
“لعله خير” عبارة شاع تداولها بيننا في حواراتنا اليومية، تدور على مسامعنا في مواقف الحياة المختلفة، وفي حقيقة الأمر لو تمعنا هذا التعبير -رغم بساطته- نُدرك جزالة الكلمات، وبلاغة المعنى فيها؛ فهي تَحوي الإيمان بخيرية القضاء والقدر، وأن كل ما هو ماض فينا مقدر لا بد أن نُتبعه بالرضا التام؛ إذ كل مجريات الحياة تسير وفق تدبير مُتقن من الحكيم الخبير، وأن تقديرات الله كلها ألطاف وأسرارًا خفية.
“لعله خير” عبارة تبعث فينا الاستقرار والسلام الداخلي، وتحيط قلوبنا بسور من الطمأنينة؛ ولأجل ذلك فإن أثرها عميق يبقي النفس ثابتة، حتى لا تزل وتضعف وسط ما يعصف بها من رياح الإحباطات في تحقيق الطموحات، أو ما يخوضه الفرد من تجارب فاشلة يكون عقد عليها الآمال الكبيرة والتوقعات المستقبلية. وبطبيعة الحال فهي عبارة تعيننا على مواجهة تقلبات الزمن التي تلقي بظلالها علينا بأحاسيس متباينة، ومشاعر تتأرجح بين أمل وألم، فرح وحزن، استبشار وتحسر، تفاؤل ويأس؛ وعليه قد نرسم لنا بألوانها لوحة واقعية يجب أن نعايشها بكل أحداثها.
مما لا شك فيه فإن التوازن النفسي يعد من أعظم أسباب تحقق الغايات السامية وبلوغ الأهداف. فمهما وقفت التحديات عائقًا أمام أحدنا أيًّا كانت لا بد أن يستبشر خيرًا، وينظر نظرة إيجابية لهذه التحديات، وليعلم أنها ما وجدت إلا لتجعله أكثر صلابًة وتحملًا، فما تعسر أمر إلا يتبعه يسر، وكل همٍ لا بد أن يتبعه انفراج وانشراح.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن ما يعاني منه الغرب من ازدياد الأمراض النفسية، وتزاحم أفراده على العيادات والأطباء النفسيين، وعلى الأغلب من هذه الأمراض ما كان محصلة لانعدام الوازع الإيماني، نتج عنه حالات من الاكتئاب المستمر والتشتت العقلي، ومن المؤكد فإنه يؤدي إلى آثار سلبية على حياة الفرد والرضا عن ذاته ومجتمعه.
ومما يؤسف عليه أن هناك فئة من مجتمعاتنا قد أصابها بعض من هذا اليأس في مواجهة تقلبات الزمان؛ فقد يتمكن الحزن من أحدهم ليتوهم الضيق، ساخطًا من ظروفه وأحواله، ناهيك عن الإحساس بالتشاؤم وجلد الذات، متناسيًا أن الكثير من الخير يكمن ضمن هذه الابتلاءات.
فحريٌ بنا أن نستلهم وقود الأمل دومًا، ونعود لجادة العمل والمبادرة بروح متفائلة. فإذا أغلقت نافذة أمامك قد يكون خيرًا لك؛ فقل: “لعله خير”، ولتطب نفسًا، وامضِ بصبر وهمة؛ حتى يفتح لك الله تعالى أبوابًا من الأمل والعطاءات.
وجُملة القول؛ أن أمة الإسلام، وهي أمة الخيرية والخير، أولى بأن تحقق معاني “لعله خير” في كل جوانب الحياة وتفاصيلها، واقعًا ملموسًا في سلوك المربين، وتطلعات الأبناء.