رحلتي إلى محافظة ظفار
خلفان بن ناصر الرواحي
الجزء الأول: مكانتها التاريخية وموقعها الجغرافي
إنها ليست المرة الأولى بالنسبة لنا لزيارة هذه المحافظة الجميلة والعريقة من سلطنة عُمان الحبيبة، بل كانت لنا عدة زيارات لفترات مختلفة سواء أكانت في فصل الشتاء أم في فصل الصيف، فبعضها كان لغرض سياحي وبعضها كان في أثناء فترة وجودنا في الوظيفة في قطاع الكهرباء لما قبل التقاعد عام ٢٠١٦؛ وذلك من أجل تبادل الخبرات والاطلاع على التجارب في المشاريع المتعلقة بالعمل.
لقد استغرقت زيارتنا هذه المرة خمسة أيام، وكانت برفقة بعض من أفراد الأسرة والعائلة، وكانت من مساء يوم الإثنين ٣١ يوليو وحتى يوم الجمعة ٤ أغسطس ٢٠٢٣م.
لقد أسهمت الحضارات القديمة المتعاقبة على جنوب شبة الجزيرة العربية في أن تشهد محافظة ظفار فترات طويلة من الازدهار والرخاء؛ وذلك لموقعها المتميز، وقد تم ذكرها في عدد من كتب الرحالة والمؤرخين، ومنهم الرحالة (برترام توماس) في كتابه ‘البلاد السعيدة’، وعبّر عنها بقوله: “إذا كان هناك منطقة في شبه الجزيرة العربية تصدق عليها هذه التسمية إذا استثنينا اليمن فهي بحق المنطقة التي تسمى ظفار”. ويرجع تاريخ ظفار إلى العصور التاريخية القديمة، كما ذكر بعض المؤرخين ارتباط تاريخها بالدور الاقتصادي الذي كانت تقوم به عبر العصور، فقد عرفت ظفار منذ القدم بتجارة اللبان، وتوجد بها بعض الشواهد التاريخية كميناء سمهرم، ومدينة البليد التي تم تشييدها في عهد دولة المنجويين، وتوسع في عهدهم النشاط التجاري، وفتحت لتجارة اللبان والتبادل التجاري طرق ملاحية في المحيط الهندي، وازدهرت التجارة مع الصين وبلاد ما بين النهرين وغيرها من بلدان العالم؛ حيث ارتبط تاريخ ظفار بتجارة اللبان التي قامت على إثرها ما يعرف بممالك اللبان وسميت تلك الطرق ب”طرق البخور”.
تقع محافظة ظفار في أقصى جنوب سلطنة عُمان, وتبعد مدينة صلالة- مركز المحافظة- عن محافظة مسقط حوالي (١٠٠٠) كيلومتر, ويحدها من الغرب محافظة الوسطى، ومن الجنوب الشرقي والجنوب بحر العرب، ومن الغرب والجنوب الغربي الجمهورية اليمنية الشقيقة، ومن الشمال والشمال الغربي صحراء الربع الخالي، كما أنها تشتهر وتتميز بطقسها الموسمي الذي يعرف محليًا بموسم “الخريف”؛ حيث يمكن لزائرها أن يستمتع ويعيش أحلى وأجمل أوقاته فيها؛ وذلك لتميزها في هذا الموسم بالذات بجمال الطبيعة الخلابة في جبالها وسهولها، وتكسوها الخضرة ويلف الضباب الأبيض هضابها وجبالها الشاهقة، كما يهطل الرذاذ الخفيف ليلطف الجو في فصل الصيف، ابتداءً من ٢١ يوينو من كل عام بحسب التقويم الفلكي، والذي يستمر حتى ٢١ سبتمبر، وتعد هذه الفترة موسمًا لأكبر حدث سياحي في سلطنة عُمان، كما يعد من المواسم السياحية المميزة الجاذبة في منطقة الخليج بشكل عام لهذه المحافظة؛ حيث تشهد في هذا الموسم انخفاضًا في درجات الحرارة وتساقط الرذاذ المتقطع، وارتفاع منسوب مياه العيون الطبيعية المنتشرة في عدة ولايات منها، والتي سوف نتطرق لبعض منها في الجزء القادم إن شاء الله.
تحتضن هذه المحافظة عددًا من الولايات وعددها عشر وهي؛ (صلالة، طاقة، مرباط، رخيوت، ثمريت، ضلكوت، المزيونة، مقشن، شليم، جزر الحلانيات، وسدح)، ويبلغ عدد سكان محافظة ظفار (249,729) نسمة وفقاً لنتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت لعام 2010م، و (424,878) نسمة، وفقا لإحصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات لشهر يوليو 2016م.
كما تكتسب هذه المحافظة أهمية تاريخية ومكانة خاصة في التاريخ العُماني الحديث والقديم على السواء، فمن مدينة صلالة أبلج فجر النهضة العُمانية الحديثة بقيادة ابن عُمان الراحل حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- طيب الله ثراه-، وكما كانت محافظة ظفار أرض اللبان والبخور في الجزير العربية بوابة عُمان الضخمة على المحيط الهندي ومعبرًا للقوافل في جنوب شبه الجزيرة العربية؛ فإنها كانت كذلك انطلاقة عُمان إلى التقدم والتطور والازدهار في ظل النهضة العُمانية الحديثة.
للحديث عن محافظة ظفار ورحلتنا لها بقية في الجزء القادم بحول الله تعالى وتوفيقه.