آلة العقل ..
محمد الزعابي
الإنسان بطبعهِ يتفاخر بإنجازاته، ويتفنن في تطوير حرفته لكي يُحرز أهدافه التي يتمنى بمجهوده أن يصل إليها، وأعني بنصّي هنا: كل الفنون والابتكارات التي يستفيد منها الغير ويبدع فيها البشر.
النجاح في كل الأشياء ناتج عن ما يخفيه باطن العقل من الخيال، نجني ثمارهُ حين يسخّره الله للمبتكر ويعمل به، فكل ما نراه في العالم من تطورات هو مزيج من أفكار البشر، سواء كان مصدرها شخصا واحدا أو عصرا ذهنيا لمجموعة أشخاص، فتولد لنا صنعة حرفية حديثة أو تجديد لفكرة مستهلكة.
فالرسام يبدع برسمته، وربما تكون مماثلة لغيرها من اللوحات قد يراها شخص ويُذهل من روعتها، وكأنما يشاهد أول رسمة في حياته، ويأتي شخص آخر لا تحرك في داخله الأحاسيس، فيرى بأن تلك الرسمة لم تضف إليه أيّ جديد، وأزيد على ذلك الكثير من الفنانين المبدعين وأصحاب الحرف كالنجارين، والكُتَاب، والخطاطين، والشعراء، ولاعبي كرة القدم، وهَلمّ جرّاً.
قد نشعر أحياناً بأن الذي نراه في بعض الأشخاص من حِرف ليست إلا مجرد تقليد لأفكار مستهلكة، بينما يرى الصانع نفسه بأنه مختلف عن غيره، ومميز عن الآخرين حين يثق بنفسه الثقة الكبيرة التي غالباً تكون خطأً يرتكبه صاحبها حين تكون الثقة بحرفته التي لا يضاهيها أي عمل.
فالفكرة إما أن تصعد بصانعها إلى أعالي القمم، وتجعل المبتكر نجماً لامعاً في السماء، يتوّج صاحبها ويُشار له بالبَنان، أو تجعلهُ راكداً في الوحول لا يستطيع أن يحرك نفسه، ويطمر كل ما سعى الوصول لأجله ثم يندثر.
عندما يكون الإنسان نجماً قد يُجبر وبالفطرة على نسيان ما مرّ به من تخّبطات وعثرات واجهته في طريق النجاح إلى أن صار على ذلك الحال، فيصيبه الغرور الذي قد يرجعه إلى حيث أتى، أو يبقى كما هو، فكل ما يمرّ به المرء من بداية ولادة الفكرة حتى يحين وقت قطاف ثمرتها تعود للخالق الذي أمر بنجاحها وتميزها أو تلاشيها.
فينبغي على الانسان أن لا يظن بنفسه أنه هو المكتشف والصانع والمبتكر لوحده، فهناك من يسخّر عقول البشر ويحركها مثل الآلات كما يشاء، فهو المحرك الأساسي لذات الإنسان.