فصبرٌ جميل، وداعاً العمّ سالم المحروقي
فؤاد آلبوسعيدي
نمسح دمعة قبل أن يراها الآخرون، فتنزل دمعة في الجوار كانت هي الأخرى مقيّدة خلف الرّموش، كأنّها كانت سجينة أو أسيرة تنتظر في بعض زوايا وبدايات ومعابر وبوابات الأجفان؛ نحن قد نكون أحياناً في قمّة المثابرة الداخلية التي قد لا يراها أحدٌ غيرنا، قد يحدث لنا أحياناً أن نبقى مقاومين، وأحياناً أخرى قد نُجبر أنفسنا في أن نكون في خضمّ معركةٍ أو قتال، حيث نكون فيها منغمسين في الجهاد الداخلي والذّاتي مع أنفسنا، نحاول فيها إخفاء الحزنُ المتجذّر في الأعماق، والذي ما يزال يعيش بيننا وكأنّه قد ربَط كلّ حِباله وعقد بشدّةٍ وِثاقه، وتأسّس بجذوره القوية في أقصى تلابيب قلوبنا، فلا ينفع معه مقدار المقاومة المُتكرّرة والمستمرة، حيث إننا نجد ظهور وجع مثله وغيره في الشّدة، يحاول أن يلازم ويُجاور ما يسكننا من أتراحٍ سابقة، ولم تمضِ عنّا بعيداً بعد.
الطّيبون هم قيثارة الحياة، حيث إنهم بلطفهم وسماحتهم ورقّة طباعهم يجعلون الحياة جميلة في أعين الآخرين، رغم القساوة التي يشعر بها غيرهم من النّاس؛ أحياناً نشعر بأنّ هؤلاء الطيبين الذين نعرفهم ونعاشرهم ما خُلقوا إلا ليكونوا كالبلسم الشافي لمن أصابه الحزن في قلبه، والكآبة في نفسه وروحه، أحياناً بوجودهم بيننا وفي قربنا قد ننسى الكثير والكثير من المآسي والمُكدّرات التي تعكّر صفوَ حياتنا اليومية، ولكن هي حكمة الله الذي قال في كتابه الحكيم:
{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ }.سورة الرحمن (26 ،27).
يرحل الطّيبون أصحاب الوجوه البشوشة والقلوب الطّيبة، والكلمات السّديدة، الذين عاشرناهم سنين طويلة، ويبقى من ذكراهم معنا الكثير من الأحداث التي لن ننساها على مدى الأيام والسنين من رحيلهم عنّا.
رحل العمّ (سالم بن محمد المحروقي) تاركاً لنا تلك البشاشة التي عرفتها عنه منذ معرفتي به لأولّ مرة قبل ما يزيد عن العقدين من الزمن بقليل، أتذكر جيّداً تلك الابتسامة التي كانت مرتسمة، رغم أنّها كانت لحظة لقائي الأوّل به؛ لم أكن أعرف حينها بأنّ تلك هي السّمة السّائدة والخصلة الرائعة التي سأراها دائماً في وجهه الذي ينعكس في طِيب المعشر والمقام؛ تلك الخصلة كانت ظاهرة عليه كلّما قابلته، بل وكانت بادية وسارية في تقاطيع وجهه السّمح متى ما قابلته، وفي أيّ مكان رآك فيه.
رحل العمّ (سالم) تاركاً بين أفكاري الكثيرة البشاشة والابتسامة اللتين أظهرهما لي حتى وهو في سرير المستشفى مريضاً، عندما زرته، وقد عزمت على تكرار الزّيارة قريباً، وذلك قبل رحيله بأيّام معدودة.
(العم سالم)، سنحاول أن نفعل ما كنت تفعله دائماً أينما كنّـا نراك؛ سنزرع البسمة في ملامح وجوهنا، لأنّ ذلك ما كنّا نراه في وجهك البشوش، عندما كنت تزورنا في بيوتنا، وعندما كنّا نشاهد حِلمك معنا، حيث كنّّا نجد ذلك دوماً وأنت تستقبلنا ضيوفاً في دارك الكريمة.
نسأل الله أن يجمعك في الدّار الآخرة مع أحبابك وجميع مُحبيك في جنّة الفردوس الأعلى.
تركتـنا و تركناك في ذمة الله ورحمته، فصبر جميل، ودعواتنا لك بالمغفرة والرحمة من أرحم الراحمين.