مغوارُ غِرناطة

د. أحمد محمد الشربيني

إهداء إلى الأندلسي المغوار القائد إبراهيم العطار
******************
-قضى جُندي وكم صدوا الطُّغاما
***وكم صمدوا وكم حفظوا زماما!
-ضباعُ (القُوطِ) تتخذُ العوالي
***وهاك الجندُ يشتدُّ اعتصاما
-على (القُشْتالِ) في الهيجاءِ تهوي
***وتدحرُ من تداعى أو تنامى
-وسيفي فوقهم رعدٌ وبرقٌ
***ومسكُ الخُلدِ في الأبطالِ هاما
-تغازلها الفَرَادِسُ فوقَ ساحٍ
***فما ضعفوا ولانَكصوا سَوَامَا
-وترشقنا الطوائفُ سهمَ غربٍ
***ورايُ الحِصنِ تُستلم استلاما
-وتَرمقنا الكواسر نصفَ يومٍ
***وطيرُ الجِيفِ ينتظر التهاما
-فلم أحفل بها لأصونَ عزًا
***أروني خائنًا في التَّاج داما؟!
-بني ديني فهبوا من عَرينٍ
***يتوق الغاصبون له اغتناما.
-أيا جندي أجيبوا واستميتوا
***ضراغمةً وأبطالاً عِظاما
-أروني بائعًا للدين يسمو
**وقد حذرتكم غيدًا وجَامَا!
-أروني خانعًا يبقى طليقًا
***وعارُ الطردِّ في الأنحاء غاما!!
-أروني مؤمنًا يغدو سعيدًا
***وبيتُ اللهِ قد أضحى رُكاما!!
-أروني مسلمًا يَحيا غريدًا
***وثغرُ الغَرْبِ قد يُلقِي الختاما!!
-أروني عاشقًا يرثي طلولاً
***وخيلُ الفتحِ قد ذيقت رُعَاما!!
-قصور الشَّرقِ تَدخر الجواري
***ويبكون الخُمامةَ والغُلاما!
-عبيدُ المال تمتدحُ السُّكاري
***وينسون الجزيرةَ والجِسَاما!
-وجيشُ الروم ينتهب العذارى
***ويغتالُ العُروبةَ والعِمَاما
-و(فرناندو) يقاتلنا جِهارا
***ويصطادُ الرضيعةَ والحَمَاما
-لقد بيعت عواصمكم وديستْ
***مآثركم فأمسيتم أيَامَى
-وكم سِيمت منابركم فضاعتْ
***ملاحمكم وفرَّطتم ندَامَى
-فتلك الأرضُ صونوها تعيشوا
***وخيرُ الذِّكرِ أن تَمضوا شِهاما
-بني ديني لكم حبلٌ متينٌ
***ينالُ المؤمنون به اعتصاما
-فأهدوا كل ذي خيلٍ ورجْلٍ
***يريدُ تقدمًا رجمًا جَهاما
-بكم حفظُ المآذن والصبايا
***فصونوا اليومَ (لوشةَ) والحَراما
-فما للعُرب قد فاتت أخاها
***أما ذكروا الوشيجةَ والتؤاما؟!
-وما للخيلِ في مرحٍ ولهوٍ
***على المضمار والغِمدُ استناما؟!
-تباغِتُنا الجحافلُ كلَّ فجرٍ
***فلا ركبوا ولابعثوا هُمَامَا!!
-تناوشنا (المناجقُ) كل صُبحٍ
***و رأيُ العُرْبِ أن يصحوا صِياما!!
-تحاصرنا المحاكمُ كل عصرٍ
***يتوق القاسطون لنا التهاما
-تحاكمنا المقاصل كلَّ طرفٍ
***ونصلُ العِلجِ في الأحرار سَاما
-ذروني فارسًا أو سِرْجَ عزمٍ
*** فراىُ الغزوِّ للإسبانِ حَاما
-(إزابيلا) هنا ويلٌ وحتفٌ
***أنا العَطَّارُ والسَّيفُ استقاما
-(إزابيلا) كفى حَشْدًا ونارًا
***أنا المِغْوَارُ في الهيجا زُؤاما
-هنا (الغِرناطُ) في الهيجاء تفري
***مقانبكم فأمسيتم نَعَاما
-لنا أُسْدُ المعارك والمنايا
***لأن الله يمَّنَنَا سِهاما
-دنوتم للبروجِ فلاحَ حتفٌ
***ونسحقُ من تَدَّلى أو تَسامَى
-فجندُ (القوطِ) واروها وعُودوا
***وسلْ عنَّا البطولةَ والحُساما
-يجبْك الفتحُ والميدان عنا
***وكم أبلغتكم ردي زؤاما
-(إزابيلا) كفى حشدًا وغِلاً
***فجمعكم لقى اليومَ حُمَاما
-(إزابيلا) أفيقي من مئاتٍ
***تزيدُ تجاسرًا شهرًا فعاما
-أنا الحامي فدى أمًا وأختًا
***وسَحْلُ العِرْض كم يغري لئاما!!
-أنا الماضي كفى عزًا ومجدًا
***يدينُ الناشرون له احتراما
-تراثي قلعةٌ أو سِفرُ علمٍ
***وليلُ الجهلِ في الناقوسِ ناما
-وديني رحمةٌ في كل عصرٍّ
***وبُومُ القُوطِ بالتفتيش سَاما
-رحيقي شاعرٌ أو نثرُ حرٍّ
*** وجُلُّ الغَرْبِ كم ذاقوا رُغاما
-جُدودي (طارقٌ) أو (رشدُ) فكرٍ
***وكم فتحوا وكم نشروا رِهَاما
-رِجالُ الضادِ تغتنم المعاني
***ويَبنونَ الثقافةَ والسلاما
-جيوشُ الفتحِ تأتلف الأسامي
***ويحمون الكنيسةَ والحَخَاما
-ويبنون الحضارةَ والسواقي
***ويروون الجزيرةَ والأناما
-فأحيوا العقلَ والفلواتِ ترقوا
***فعينُ النَّصرِ أن تحيوا كِراما
-فسيفي عندكم رمزٌ ورهنٌ
***ومَهْرُ الروح في التمثال قَاما
-وقبري بينكم عزٌّ وفخرٌّ
***ووجه الحقِّ في التِّذكار دَاما
-وإرثي حولكم نورٌ وعدلٌ
***وقد عاينتمُ دِيني تماما
-فطُهرُ العدل للإسلامِ بابٌ
***وصفُّ الكونِ كم يرجو الإماما
-وحلمُ العودِ للأحفادِ حقٌّ
***فيحيون الثقافةَ والرخاما
-كتاب الله للأجيالِ نورٌ
***ورغمَ الليل لن نبقى نياما

_______________
مناسبة النص:
لم يخلد الأسبان ذكر أي من ملوك الطوائف الخانعين الذين ساعدوهم على احـتلال الأندلس ، لكنهم صنعوا تمثالاً لقائدٍ مسلم قاومهم بشدة ..!!
ففي مدينة (لوشة) الإسبانية يوجد تمثال لقائد جيش غرناطة المسلم “إبراهيم العطار” ذلك البطل الذي رفض الاستسلام عام ١٤٩٢م ، حيث قاتل مع ١٠٠ مسلم فقط ضد ٦٥٠٠٠ جندي من جيش قشتالة الصلـيبي في ملحمة أبهرت الملكة “إيزابيلا” و قادة جيشها بعد صمود “إبراهيم العطار” و رجاله أمام جيش جرار لنصف يوم كامل ..!!
فسموه بالرجل الأسطورة ، وسموا أبناءهم على اسمه ، وصنعوا تمثالاً له تخليداً لذكراه ، ووضعوا سيفه في متحف غرناطة .
_____________________
معاني بعض الكلمات:
القوط:باللاتينية Cothiقبائل جرمانية شرقية سكنت وسط وجنوب شرق أوروبا وتطلق الكلمة في أدبيات التاريخ الإسلامي على سكان الأندلس قبل الفتح الإسلامي لها.
قشتالة:تحريف لكلمة كاستولة من Castle بمعنى قلعة وتطلق علي مملكة إسبانية تعاظم دورها في عهد بني الأحمر وعلى يدها سقطت الأندلس وتم إجلاء العرب عنها.
جاما:(الجام) إناء من فضة للشرب والطعام وغلب استعمالها على قدح الشراب.
رُعاما:(الرُّعام) مرض جلدي معدٍ مهدد للحياة يصيب بشكل رئيسي الخيول والحمير والبغال كما يمكن انتقاله إلى البشر.
خُماما:من (الخمامة): الكناسة ومن المائدة:ما ينثر من طعامها… تخم ما على الخوان أكل خُمامته.
جَهاما:السحاب الذي لاماء فيه ويقال:جاءني من هذا الأمر بجهام:بما لاخير فيه.
لوشة:بلدة تقع جنوب إسبانيا على حدود غرناطة.
التؤاما:جمع توءم، ويريد بها الشاعر الروابط المشتركة بين مسلمي الأندلس وعرب المشرق كالدين واللغة والأصول والأنساب والثقافة.
إزابيلا:ملكة قشتالة وصقلية وليون ثم إسبانيا كلها بعد إجلاء المسلمين لعبت دورًا هاما هي وزوجها (فرناندو) الثاني فيما يعرف لدى الغرب بحروب الاسترداد التي انتهت بسقوط غرناطة
، عرفت بتعصبها المقيت حيث سنت قانوناً يجبر مسلمي إسبانيا ويهودها على اعتناق المسيحية.
المَناجِق: جمع منجنيق من اليونانيةManganonوتطلق على آلة حربية استخدمت في العصور الوسطى لقذف النيران أو الحجارة وقت الحصار.
رَغاما:الرَّغام :التراب، وألقاه على الرغام:أذله وأهانه.
حخام:كلمة عبرية تعنى في لغتها الرجل الحكيم وتطلق دينيًا:على زعماء اليهود في البلدان العربية والإسلامية وقد ذكرها الشاعر بعد كلمة الكنيسة ليشير إلى تمتع الأقليات بالعدل والأمان في ظل الحكم الإسلامي للأندلس.
الجزيرة:يقصد بها شبه جزيرةإيبريا أو مايعرف بشبه القارة الإسبانية التي تتكون من إسبانيا والبرتغال وأندورا ومنطقة جبل طارق
وكانت جميعها تحت الحكم الإسلامي فيما عرف ببلاد الأندلس.