2024
Adsense
مقالات صحفية

طوبى لمن شهِد الشهر..

ثريا بنت علي الربيعية

رمضان دُرّة الشهور وأعظمها أجراً، وأيامه الثلاثون كطوقِ عقدٍ ثمينٍ.
يحلّ ضيفاً كريماً علينا في كلّ عام نفرح باستقباله، ونتوق لنفحاته المباركة، يقترب وقلوبنا ترتقب لِلياليه المبتهجة بصلوات التراويح، وتهجدات الركّع السجود، وأدعية فاضت بها الروح. وبطبيعة الحال هو شهر متفرد ليس كغيره، فيه تطمئن الروح وتتضاعف الأجور لتصبح دقائقه باهظة الثمن، ولحظاته غالية السعر لو وزنت، وأوقاته نفيسة قد لا تتكرر، مما يجدر بالمسلم الواعي ألاّ يفرط فيه باستغلال أوقاته في كل عمل خير مهما قلّ، وقدْر ما استطاع.

رمضان غيمة خير تهطل علينا بفيض من الحسنات والبركات، وفي هذا المقام فإن الأغلب قد اعتاد على الاستعداد المادّيّ والمسارعة لشراء المستلزمات لهذا الشهر، بل مهتمّ بأدقّ التفاصيل لاكتمال مائدة الإفطار بشتى أنواع الأطباق.
ولكن لا يفوتنا أن نركّز على الأهمّ وهو “الاستعداد الذهني”، أي الاستعداد النفسيّ لهذا الشهر الفضيل، وذلك بشحْذ الهمم، وتحفيز النفس، والدعاء الصادق قبل رمضان أن يبلّغنا الله تعالى قيامه، ومراعاة حق صيامه؛ وذلك بإخلاص النية لأجل إتمامه على الوجه الذي ارتضاه الله لنا.
ولعلّ من المفيد أن نؤكد أنّ النية الصادقة لها تأثير وجدانيّ يظهر في جانب الاستشعار بالعبادة والاستمتاع بها، والتزام الطاعات حتى يعتادها المسلم فتصبح يسيرة عليه بعد رمضان.

وفي هذا المقام فإن من حُسن استقبال رمضان أن نضع لأنفسنا أهدافاً قيّمة نطمح للفوز بها في خواتيم الشهر، فقد وجّه النبي ﷺ في حديثه: ” من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه” إلى حُسن الصيام الخالص لوجه الله، وليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، بل السفر إلى أعماق الوجدان، لنجد المُستراح بعد تعب أشهر السنة، ونتزوّد بالطاعات لمتابعة المسير.
وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية أن يدرك المسلم علامات الإيمان بتحدّي الإرادة البشرية في الصيام والقيام رغم ما يتزاحم عليه من أعمال دنيوية.

ولأجل ذلك يجب أن يضع نصب عينيه تحقق الهدف المعنوي الروحي من الصيام، وذلك بمحاورة النفس وتنقيتها من ملهيات الحياة وكدرها، والإعداد له بترتيب أولوياته في جدول رمضاني يعينه على ذلك.
فصاحب الحظ العظيم من أدرك محاسبة نفسه، وضاعف جهده في ميدان العبادة؛ لينال درجة الصائمين القائمين الفائزين.

وخلاصة القول: قد يكون رمضان هذا العام فُرصة لتجميل حياتنا بخير العمل، وجزيل العطاء، وزيادة الحسنات، وصدق الدعاء أن يُتقبّل منا بأوفى الجزاء، كما أنه فُرصة عظيمة لجبر ما نقص، ولتعويض ما فات خلال محطات العمر، وهنا كلٌ منا يجب أن يطرح سؤالا مهماً على نفسه وهو: ماذا لو كان هذا رمضانك الأخير في حياتك؟

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights