أنا لست روبوت، أنا مواطن رقمي
شهاير بنت خالد الكثيرية
أن تكون لك مبادئ وقيَم راسخة، وتعرف الطرق الصحيحة دون أن تتأثر بكثرة المنعطفات، يعني أنك اكتسبتَ سِمة المواطنة، فتنتشر هذه السِمة لباقي أجزاء جسدك لتصنع منك شخصاً ذو وهجٍ من الاستقامة والثبات.
حديثنا يكون حديث تنازع رأي عند النقاش عن مناهج العيش في الحياة؛ فكل فرد في المجتمعات يريد أن يعيش وفق ضوابط وتشريعات لضمان حياة مليئة بحلاوة السعي ومواكبة التطورات. لكن إذا غابت إحدى هذه الضوابط، تزعزع البناء وحوصر الإنسان بالعديد من التخبطات، والعالم الرقمي أصبح ملازماً لأيامنا، لذا لا بدّ من سنّ القوانين التي تضمن التعامل معه بأمان.
وضع اسم المواطنة الرقمية لأولئك الذين علموا جيداً كيفية التعامل مع الرقميات، وبكلّ يقين هناك شكّ والعالم الرقمي ليس مجرد مصطلح وُضع لتهويل تأثيره، إنما هو واقعٌ شاسعٌ شمل كل تفاصيل معيشة الفرد منذ تسجيل بيانات ولادته وحتى إغلاق ملفاته الرقمية بشهادة الوفاة. فهل هذا يعني أننا مجرد روبوتات يتم التحكم بها من خلال العالم الرقمي؟ أم نحن من فتحنا لهذا العالم الأبواب وفق ضوابط وإرشادات للاستفادة وتسهيل سُبل التعامل معه بسلام؟ لذلك هذا المقال جاء لتوضيح مفهوم المواطنة الرقمية، بالإضافة إلى مبادئها وعناصرها الرئيسية؛ ليتسنّى لنا الفهم أن المواطن الرقمي ليس روبوتاً.
اكتست مجتمعاتنا اليوم لباس الثورة الرقمية، فكل متطلبات الحاضر ترغم الأفراد على ارتدائه، سواء كان في المدارس أو مؤسسات التعليم العالي، وحتى في دوائر العمل. يتمثل هذا الرداء في التبادل الرقمي للمعلومات، واستخدام الإلكترونيات الرقمية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وشراء وبيع البضائع بواسطة مواقع ومنصات الإنترنت، وغير ذلك بما يخدم المجتمع.
أما عن سهولة وسرعة التواصل والوصول إلى المعلومات الهامة، فتعتبر السبب الأساسي لحاجتنا للتوسع الرقمي، ومن المهم جداً اتّباع السلوكيات الصحيحة أثناء التصرف معها نظراً لانتشار الثغرات والقرصنة والابتزاز الرقمي، وغيرها من الفجوات التي تسبب خطورةً في مسار مستخدميها؛ كما يصل بعضها إلى اللجوء للقانون لأخذ حقوق المعتدين عليهم بمثل هذه المشكلات.
تأسيساً على هذا أتت المواطَنة الرقمية لسدّ الفجوات، ولاختيار الأفراد السلوك الأمثل في العالم الرقمي؛ فالمواطَنة الرقمية هي قائمةٌ من الأفكار والضوابط والتوجيهات والنصائح المتّبعة للتعامل الصحيح مع التكنولوجيا والرقميات، وهذه القائمة يحتاجها جميع الأفراد في المجتمع بكافة الفئات العمرية التي من شأنها أن تساهم في تقدم وتنمية الوطن.
بالإضافة إلى ذلك فالمواطنة الرقمية تشرح لمواطنيها سلبيات وإيجابيات العالم الرقمي وطرق استخدامه. أما المواطن الرقمي فهو المستهلك الرقمي الذي يتمتع بالمهارات المطلوبة في العالم الرقمي، ويتفاعل بشكل مستمر وفق قائمة مبادئ المواطنة الرقمية، كذلك هو الشخص الذي يستغل فوائد الفضاء التكنولوجي لخدمة ورُقيِّ الوطن.
لو تعمقنا كثيراً في المعنى الفعليّ للمواطَنة الرقمية مثلما ذكرنا سابقاً لوجدنا أن مصدرها مجموعة من المبادئ والعناصر.
وبالمقابل، تتجسد هذه المبادئ وفق موقع مجلس جودة الحياة الرقمية إلى ثلاث مستويات كالآتي:
الأمن والحكمة والتفاعل الاجتماعي، هذه المستويات مهمة لأنها تضمن سلامة المستخدمين لشبكات الإنترنت، وتجنب مخاطرها، أضيف على ما سبق أن الإنسان بفطرته خُلق شغوفاً بمواكبة تطورات عصره، وما نشهده اليوم هو عولمة رقمية، فمن الحِكمة اختيار قراراتٍ دقيقة أثناء التعامل مع هذه التطورات.
ومن جانب آخر فتكوين العلاقات الطيّبة مع الغير، واحترام الآراء وإيقان معنى مقولة: “الاختلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضية”، تُعتبر من محاور المواطَنة الرقمية. وللعِلم، فالمواطنة الرقمية تعمل جاهدةً على تقديم خدمات في المجال العلمي والعملي والتدريب وتبادل الخبرات، وفي النهاية خلق فرص عمل؛ فمن أبسط الأمثلة على ذلك اتخاذ المهارات الرقمية كوسيلة كسب دخل إضافي مثل التسويق الرقمي والتصميم الجرافيكي، والعديد من المهارات الرقمية.
لاستلام جواز المواطنة الرقمية من المهم رسوخ فكرة هذا النوع من المواطنة في أذهان مرتاديه، وبناءً على ذلك أتت عناصر المواطَنة الرقمية لتوضّح هذا الأمر.
بدايةً، تتمثل هذه العناصر في الوصول الرقمي ومحو الأمّيّة الرقمية، والمقصود هنا إمكانية بلوغ التكنولوجيا والمحتوى الرقمي الهادف لعامة الناس والتوعية بأهميتهما والاستفادة منهما دون المساس بصحّتهم الجسدية والنفسية، كذلك تقديم الإمكانيات الرقمية لذوي الدخل المحدود والاحتياجات الخاصة.
إلى جانب ذلك، اللياقة وفن التعامل الرقمي، والتي من شأنها أن تدعو إلى الالتزام بالآداب والسلوكيات المقبولة للرقيّ في المجتمع الرقمي. علاوةً على ذلك، الأمن والسلامة الرقمية، بحيث يمكن للمواطنين الرقميين تفعيل الحماية الذاتية من خلال تجنّب الاحتيال الرقميّ وبرامج الاحتيال مثل:
برامج الفدية الخبيثة بواسطة مجموعة من الإجراءات اللازمة.
أخيراً، فإن القوانين الرقمية والتي تكلمنا عنها كثيراً وابتدأنا بتعريف المواطَنة الرقمية بها؛ فهي تلك القائمة من التوجيهات والأفكار والنصائح، أيضاً تتم معاقبة السلوكيات غير القانونية مثل سرقة المقالات الرقمية وانتحال الهويات الرقمية.
بعد المراجعة الشاملة لماهية المواطنة الرقمية، ومبادئها وأهم عناصرها وجدنا أن المواطن الرقمي ليس روبوتاً يتم التحكم به، إنما هو صاحب القرار، وهو المنتج والمستهلك للعالم الرقمي، بينما مصطلح المواطنة الرقمية وُضع لضمان ثبات سَير مستخدميه، والتحكّم بعجلات القيادة في مسارات الحياة.
في الختام، لو بُني أضخم سورٍ في العالم لِحجْب التخبّطات من تسلّل العالم الرقميّ لتسلّلتْ، والمواطن الواعي هو الذي يسعى جاهداً لتجنب هذه الخزعبلات مهما صادفت طريقاً، ويعمل على سموّ ورفعة وطنه من أبسط التفاصيل.