أين المفر؟
وداد بنت عبدالله الجابرية
كَل مرة أهرب فيها لا أجد المخرج الصحيح، فكأن كل الأبواب أغلقت في وجهي لأجري في المتاهاتِ التي ليست لها بداية ولا أعلم إن كان لها نهاية، في كل مرة أذهب فيها أجد نهاية طريق مظلمة لأفر منها إلى هنا وهناك لعلي أجد المفر; فأتعبتُ روحي وتبهدلت حياتي وجف حلقي، فظلام دامس فلا نور يظهر أماميِ فجأة ليخرجني من هذا الظلام.
مرت الساعات والأيام وأنا أدور حول حلقاتِ المتاه، وإذا بنداء خفي يصدر من داخلي، صوتٌ ينادي “أنا بقلبك أطلق لسانك بترتيل وتهليل وتكبير، وأرح قلبك وتب من ذنبك”. أحسست بمعنى تلك الكلمات التي تجاهد للخروج من شفتاي. { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}-[ سورة الرعد: 28]، أرخيت نفسي على الأرض قليلاً وبدأت أخرج تلك الكلمات وأرتل ما كان يتردد بداخلي، مرت دقائق فإذا بروحي تهدأ ونبضاتي تعود لوضعها الطبيعي والخوف الذي يجتاحني رحل. وإذا بقلبي يحدثني بقول ربي: { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}-[ سورة البقرة: 10].
هل أنا من هؤلاء مرضى القلوب؟!، تساءلت كثيرًا، فأنا ذنوبي وصلت عناء السماء، فهل أنا معهم؟! ففي كل مرة أفر فيها إلى الله أجد شيطانًا يزين لي طريق المفر واتبعه، فقلبي ضعيف جدًا، ففي كل ذنبٍ أقترفه يضعف، وكل مرة أقولها “سأخرج من هنا”، ولكن أجد الظلام يدمس أكثر وأكثر، وافتقدت النور الذي كان يخرج من وجهي؛ فذنوبي طمست حياتي وتذكرت أعمالي لأكتبها في ورقة، فسعقت منها، ومن كثرتها! فكل ورقةٍ أكتب فيها أجدها ملئت كل سطورها فتذكرتُ قول ربي: { إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}-[سورة الفرقان: 70 ]. وقوله تعالى:
{ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ}-[سورة طه: 82].
فأسرعتُ للتوبة من كل الخطايا والذنوب؛ فوجدت ربي بفؤادي عليم ليعيد لي النور، وأبصرت من جديد لأنعم براحة وسعادة وانشراح الصدر، وإذا بطيف الجنة ولقاء الحبيب ترتسم أمامي.
فهنيئاً لمن كان في درب ربه مستقيما، وهنيئاً لمن تاب من ذنوبه وعاد لطريق الهدى ليهتدي.