لتكن كلماتك مواساة
بقلم: مياء الصوافية
نعمة الكلمات الطيبة مخزون من الكرم الإلهي تتدفق جم تياراتها على النفس كعذوبة مؤنسة، وذكرى طيبة، ونشوة للجديد، واحتضان للأماني، وارتقاء للأحلام؛ فلك في يومك كلمات تغير مخيلتك، ويعشقها قلبك، ويطير معها كغيوم ماطرة، وكنجوم مؤنسة؛ فتسكب أهازيج الفرح على وجدانك الذي قد يكون في يوم ما قد انزوى في ظلام ماضيه، و خذلان مساعيه.
مع هذه الكلمات المؤنسات يحال ظلامك إلى النور، وسوادك إلى البياض، وانكماشك إلى التمدد على بساط الدفء مع العالم والعالمين، والمحبين والمحبوبين، والسلام مع وجوه المبتسمين.
إنها الكلمات التي خرجت للتو من جرار معسولها، ومن نظرة استبشارها؛ فاشتهتها النفوس، واستبشرت بها ترحيبا، وعقدت للغير عهود الصداقة.
أجل إنها الكلمات الطيبة، من نعم المولى علينا!
فهي تنمو مع بعضها البعض نمو العبير في الزهور النامية، وتنزل على القلب نزول الغيث على الأرض العطشى؛ وترمم شيئًا من خدوش الجروح؛ لتتشكل منها جملًا تخرج من الأفواه كسلسلة ذهبية تزين أعناق من يسمعها؛ فترتسم على شفتيه ابتسامة الفرح، هذه الابتسامة التي تحمل صاحبها إلى المساحات الربيعية، حيث ترتدي نفسه حينها أثواب الأزهار الطيفية الشفافة، فيرهف حسه وتنشرح نفسه، وتحوم الأفكار الجميلة على عقله؛ فيبدو كل شيء جميلا، فذاك الجبل وإن ترام بعدا، ووعرت دروبه إلا أنه قد يتحول في نظره مع هذه الكلمات إلى دروب خضراء تتماوج الأغصان المائسة فيها في صفحة الماء الصافية وهي ترقص على وقع دقات قلبه حين تتلقى هذه الكلمات.
كما نطوق إلى كلمات نطبب بها نفوسنا كذلك علينا أن نجدد نفوس الغير بكلمات معسولة المعنى، أنيقة الحروف، جابرة للكسر، مؤقدة للهمم، حاملة لواء الطموح.
إن لك في يومك كلمات، وتجب عليك كلمات طيبة ومطببة تداوي بها العزائم الكاسفة، والهمم المتخاذلة، وتسكت الأنات المتوجعة، والنفوس الحائرة، إنها الكلمة تصنع وتبيد، تُعْلي وتُنْزِل وبها تُصنَع قلائد الإخاء والجمال على صدور الواثقين بنا، المادين كفوف الوفاء.
لنكن على أمر الله سائرين، وعلى وعظه متأدبين؛ فمثل هذه الكلمات كمثل شجرة طيبة الأُكل، يربو بها الأجر، وتُثقِل كفة الخير في الميزان حين نرنو بها إلى السماء، قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ “(٢٦))- [من سورة إبراهيم].
اللسان هو عدة الكلام، وآية من آياته تعالى، به تحيا النفس، وقد تهلك الروح، وعلى وقع كلماته تُغرس أشواك الفرقة، وتُخاط خيوط الألفة، وقد تسير الركاب على وفاق كلماته، وتُهجر الدروب على سوء نياته، قال الله تعالى:(أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ(١٠) ).[سورة البلد].
وما الإنسان إلا قلب يختزن المشاعر إما ندية كبساط صبحي أخضر توشّى بقطرات الطلّ، فاحتضن الجمال كسمفونية خالدة؛ فنبتت أزهاير الدفء منه مكتحلة بضياء الأخوة، فكانت هذه الكلمات المؤنسات، أو أنه كأشواك دامية لا تخرج إلا الجروح والظلمة والانقباض والتردد.
وما أصدق قول الشاعر زهير بن أبي سلمى حين قال:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
إن الإنسان في تجاوبه مع الغير عبارة عن كلمات تعبر عنه في محيطه الواسع، وحتى مع نفسه حين يحادثها بكلمات؛ فالكلمات تعبير عن فكر يحمله هذا الإنسان وعن خلق تربى عليه، وعن منظور يعتزم المسير عليه، وعن سلوكيات سيُقتدَى بها سواء أكانت سلوكيات مستقيمة أو منحرفة، كل على حسب ميل النفوس إليها.
فأحري بالمسلم أن يتحلى بحسن الخلق؛ فتحليه يجعله ممتثلا للأمر الإلهي العظيم، ذلك الأمر المأمور بالقيام به على المعنى الحقيقي للأمر، ومكلف بتطبيقه، ومحاسب إن قصّر في جانب من جوانبه أو في صورة من صوره… قال الله تعالى: ( وقولوا للناس حسنا). [من آية ٨٣ من سورة البقرة].
مياء الصوافي