سعيد لم يعد سعيدًا كما تمنى!
سالمة بنت هلال الراسبية
كان ينام غالبًا بلا أمنيات؛ إلا ذلك اليوم الذي أفاق فيه (سعيد) البالغ من العمر 12 عاما، وقد استبشر خيرًا عندما علم أخيرًا أنه سيُمنح قسيمة تغذية مجانية من جمعية المدرسة، والذي زاد سروره هو أنها مكرمة من لدن مولانا السلطان هيثم، وستكون طوال فترة دراسته بالمدرسة.
أخيرًا، سوف أشتري من المدرسة.. آآآه، كنت أتضور جوعًا عندما أرى الطلاب يقتسمون الخبز بالجبن، ويشترون الأكلات اللذيذة.. رغم أن أمي تنقص من فطور إخوتي لتضعها في حقيبتي حتى آكله في المدرسة.. إلا أنها لا تكفي لسد جوعي طوال فترة الدوام المدرسي…
هكذا كان (سعيد) يرتب أمنياته، وهكذا تصور..
إلا إن أمنياته لم تكتمل؛ فقد حان موعد الفسحة بعد أن سمع ضجيج جرس المدرسة.. ركض سعيد إلى غرفة الإخصائي كما قال له زميله سالم: “لقد قالوا لنا أن نجتمع هنا لنستلم القسائم…” سعيد كان متحمسًا، بل وطار من الفرحة عندما رأى القسيمة المجانية بأم عينه، لم يتردد أو يخجل كما يفعل بعض الطلبة حينما يخبئون القسائم في جيوبهم وبين أكف أيديهم الصغيرة؛ حتى لا يعرف بقية الطلبة أنهم ضمن طلبة الضمان الاجتماعي أو الدخل المحدود.. فسد الجوع بالنسبة له في أعلى سلم احتياجته الأساسية…
زاحم الطلبة رافعًا القسيمة إلى أعلى ارتفاع قد يصل إليه نظر البائع بالجمعية.. وأخيرًا جاء دوره.. سحب منه البائع القسيمة وأعطاه كيسًا.. لم يكن يعلم سعيد ما بداخل الكيس إلا عندما توجه إلى أقرب ظل للشجر المزروع على أطراف الممر الخارجي.. فتح الكيس ووجد مجموعة من الأكياس الصغيرة.. إنها أردى أنواع الكاكاو والبسكويتات! فتش سعيد أكثر في الكيس؛ لعله يجد صحنا من الفطائر أو السندويتشات أو حتى كعك محلى طازج..
لكنه لم يجد شيئا!
جلس بجانب (سعيد) زميله (سالم) الذي هو ضمن المحظوظين بالقسائم المجانية، فبادره قائلًا: هاه، ماذا وجدت في الكيس؟، رد عليه سالم: لم يعطوني كيسًا، بل قالوا لي أن أختار ما أود أخذه للأكل.. (سعيد): هذا رائع إذن، فقد كنت محظوظًا بالأكل الذي يشبعك.
قال له (سالم) ساخرًا، وقد سقطت دمعه من عينه: لا، لم أجد حتى خبزة.. لقد تم تخصيص الأكل للطلبة الذين يشترون بنقودهم، أما أنا فقد كان حظي مجموعة من البطاطس والبسكويتات الخفيفة!
جلس سالم وسعيد يتبادلان أطراف الحديث.. كانا يفكران نفس الفكرة؛ لربما غدًا نجد صحنًا من المكرونة اللذيذة أو الأرز … ومقاطعة لفكرته ضحك سعيد: لا أعتقد ذلك عزيزي سالم.. فقد تخسر الشركة الكثير من الأرباح التي قد تحققها من مبيعات الأكل المغلف الذي تراه أمامك.. والذي هو من نصيبنا..
كانت أماني سعيد غير مكتملة كما توقعه حدسه.. فهل ستساعد الجهات المعنية هؤلاء الطلبة وهذه الفئة بأن يتم تحويل القسائم إلى نقود في حساب أولياء أمورهم حتى يستطيعوا أن يشتروا ما يسد جوعهم بلا ضرر على صحتهم مستقبلًا؟
أترك المناشدة رهن إنسانيتهم، وأمانة ضمائرهم…