سلبيات المدارس القديمة
أحمد البحري
إن مربع النظام التعليمي لا يقوم إلا على أربعة أضلع، وهي: الطالب والمعلم والمنهج والمبنى المدرسي، وإن كان الطالب هو محور العملية التعليمية، فإن الأضلع الثلاث هي من تدور في محوره. ولذا عليها أن تتجدد باستمرار؛ لكي تواكب الطفرة في العملية التعليمية، فالعملية التعليمية تتجدد باستمرار نتيجة البحوث المستمرة فيها، ولاهتمام الدول بالتعليم من الروضة إلى الجامعي، فإن كان المعلم يتطور بالتدريب، والمنهج بإعادة صياغته بما يتلاءم مع الرؤية والرسالة لأي دولة في مجال التعليم، فإن المبنى المدرسي لا يتغير بسهول؛ لأنه مبنى ثابت، ولا يمكن هدمه وإعادة بنائه بسبب التكاليف الباهظة في البناء -وإن كانت هنالك حلول هندسية تخفض التكاليف فإن بعض الدول تصر على نمط معماري معين يحاكي تراثها أو شيء آخر- ولذلك يجب الاهتمام بتصميم المبنى قبل البناء حتى لا تضطر بعد فترة معينة لإجراء تعديلات تتلاءم مع متطلبات العملية التعليمية، وتنبع أهمية المبنى المدرسي في البيئة التعليمية من كونه عاملا مؤثرا في العملية التعليمية، فإذا كان المبنى مجهزا تجهيزا كاملا من العتاد التقليدي، مثل الطاولة والكرسي وبنية تحتية للتعليم الحديث، مثل: شبكة الإنترنت، أجهزة تعليمية في الصف، ومختبرات متنوعة، وقاعات متعددة الأغراض، ومراعيا للظروف البيئية والاحتياطات الأمنية والصحية.
وسنعرض فيما يأتي بعض الإشكاليات التي تواجه بعض المدارس في أي دولة:
1- عدم ملاءمة تصميم المباني للأجواء البيئية، فليس من المعقول في درجة 50 ومناطق صحراوية ورياح تثير الأتربة، ومبنى المدرسة مفتوح الجهات لكل هذه العوامل، فكيف لطالب أن يدرس في درجات حرارة مرتفعة؟!ّ حتى أجهزة التبريد لا يمكنها مقاومة الحرارة، فالمدارس مفتوحة السقف لا تتناسب مع سياسة خفض الطاقة والأموال المهدرة، ولا مع بيئة تعليمية صحية، فأغلب الدول تسقف مدراسها حتى توفر بيئة صحية وآمنة لطلابها.
2- الأبواب والنوافذ إذا كانت على الطراز القديم، فلا هي تمنع الصوت والضوضاء ولا تمنع من دخول الحرارة والأتربة، فمع تقدم العلم في هذا المجال تم اختراع نوافذ وأبواب عازلة للصوت والحرارة، وتنفتح بأكثر من اتجاه، لا تزيد تكلفتها عن القديمة سوى النزر اليسر، ستعوضه في التنظيف من الأتربة.
3- نظام التكييف القائم على الوحدات الصغيرة، في بعض المدراس قد تعداها الزمن الاستهلاكي في ظل ظروف بيئية قاسية، فما زالوا مصرين على دفع مبالغ طائلة لصيانة خردة تكييف، وللأسف في بعض الدول ما زالت تستخدمها حتى في المدارس الحديثة؛ مما يزيد من هدر الطاقة بعكس التكييف المركزي ذات الوحدة الواحدة، فأنت تشغل وحدة واحدة وتصون وحدة واحدة، وهدر الطاقة أقل.
4- افتقار المدارس إلى بيئة تدعم التعليم التقني، فضعف هذه البيئة يؤخر التعليم القائم على التقانة، فأنت في الصف لا تجد موصلا للإنترنت أو موصلا لجهاز العرض؛ مما يمثل تحديا للمعلم المبدع، فهم يطالبونك بالإبداع، فإن كنت من سعيدي الحظ سيتوفر لك اللوح الأبيض، وإن كنت من تعيسي الحظ سيكون عليك الإبداع في اللوح الأسود والطبشور، بينما في العالم المتقدم أنت أمام شاشة تفاعلية، ما عليك سوى تحضير درسك مسبقا وتخزينية في سحابة الإنترنت أو في وحدة التخزين، فسيكون أمامك فرصة للإبداع وتوصيل المعلومة بشكل تفاعلي مع الطلاب، إذا هناك بعض الدول استغنت عن الكتاب الورقي بحاسب المحمول؛ مما ترتب عليه تهيئة بيئة تقانة عالية الجودة.
5- الملعب، فهذا المرفق أكثر المرافق مظلومية، فبعض البلدان عند الساعة العاشرة في الأيام الصيفية ترتفع لحرارة 40 ويطلب من الأطفال تأدية حصة رياضة، فأي منطق هذا؟، والأمرّ من ذلك إما أنها من أسمنت أو متربة؛ مما يؤثر في صحة الأطفال وله مخاطر عديدة ليس أقلها ألم الركب، والربو الرضوض، والجروح. أليس من الأفضل بناء قاعات كبيرة للرياضات المختلفة؟ كذلك هذه الصالة لها منافع أخرى لإقامة الفعاليات دون أن تضطر المدرسة إلى استئجار قاعات لإقامة الفعاليات.
6- إن افتقار المدارس إلى غرف للأنشطة المتنوعة والمخصصة لهذه الأنشطة يدل على قصور الرؤية للأنشطة بوصفها داعما لبناء الشخصية، فبعض إدارات المدارس حولت هذه الغرف إلى مخازن، معطلة بذلك الأنشطة والإبداع، والظلم الكبير يقع على الأنشطة الفردية، مثل: الفنون والموسيقى.
7- وعند الحديث عن الساحة الخارجية فإنك لا تجد مساحات خضراء كافية، ولا مساحات مخصصة للجلوس فيها أو ممارسة أنشطة متنوعة، فهي البقعة المهملة عمدا، فلا الداخل فيه إبداع وجاذبية ولا الخارج مريح لنظر للعين.
8- أما الإضاءة فإن المصابيح المستخدمة حاليا في بعض البلدان مستهلكة للطاقة وغير فعالة في الإضاءة، وصيانتها مكلفة، فمع التطور في صناعة مصابيح الإضاءة في السنوات الأخيرة التي أصبحت أقل استهلاكا للطاقة مع فعالية أكثر في الإضاءة، أصبح لازما على هذه الدول أن تستبدل بالمصابيح الأحدث.
9- أكثر الأماكن اكتظاظا وقلة الخصوصية فيها لهي غرف المعلمين والمعلمات؛ بحيث لا تجد مكتبا مستقلا لك، وتتداخل أشياؤك مع أشياء الآخرين، ولا تجد لنفسك المكان المناسب للإعداد للحصص أو لممارسة أي شيء يخص العملية التعليمية.
10- أما الأصباغ المستخدمة في حيطان المبنى الدراسي فلا يدل على تفرد المبنى المدرسي، فهو يشبه أي مبنى آخر في دولة، أما الداخل فهناك لون واحد خالٍ من الإبداع في الألوان أو الرسومات، مع العلم أن علماء النفس يهتمون بالألوان؛ لتأثيرها في نفس الإنسان.
في الأخير أيها القارئ، قد تجد هذه الملاحظات موجودة في مدارس دولتك، فأنت ممن تعيسي الحظ وقد لا تجد أبدا فأنت من سعيدي الحظ، وقد تجد بعضها فأنت بين البرزخيين، وأذكر من سيتشدق بأنه تعلم تحت الشجر بأن العلم اختلف، وموارد الدول اختلفت، فبالتأكيد أنت لن تتعلم الحاسب الآلي تحت الشجر.
وأخيرا نقول: إن فترة كورونا أضر كثيرا بالتعليم في كل الدول، ولكن فتح عوننا إلى التعليم التقني، كما أن الأزمة المالية التي تعصف ببعض البلدان يجب ألّا تمتد إلى التعليم، فالتقشف في المجالات غير الضرورية، ولكن التعليم لا يجب أن يكون فيه التقشف.