ماذا يعني أن تكون جريئا؟
أحمد بن سليم الحراصي
ليس من السهل جدا أن تكون جريئا حينما تكون الأمور معقدة، أن تكون جريئا يعني أن تكسر قاعدة (الخجل)، وتحطم الحدود لتصل إلى هدفك، أن تسابق الخطوات لأجل أن تثبت أنك على حق والآخرون على باطل، أن تطفو فوق السطح بينما الآخرون غارقون تحت العمق لتظهر نفسك أمام العامة من الناس فتتسلط عليك أضواء عيونهم وأنت في الساحة وحدك تجاهد لإظهار الحقيقة مخاطرًا ومغامرا مهما ستتوقعه من سخط ورفض هؤلاء الناس.
إن الذين يمتلكون الجرأة في مواجهة الناس، أولئك فقط هم من ينتصرون فعندما تكون جريئا لشيء أنت تريد أن تصل إليه ستحققه فمن يتجرأ دائما ينتصر؛ لذا كن جريئا حتى في استخدام عقلك لتحقق مبتغاك، استخدم كل ما يمكنه أن يجعلك تصل إلى هدفك وأمنيتك؛ فحتما النهاية ستكون الانتصار. حتى ولو على سبيل مواجهة فشلك، فالذين يكونون جريئين في مواجهة فشلهم هم أولئك الذين يقهرون الصعاب فينجحون. فلن تصبح عظيما إن لم تكن جريئا، ولو حاولت، فخجلك لن يجعلك تخرج من الدائرة التي رسمتها في مخيلتك لتكون أنت قطرها، ستخرج فقط حينما تكون جريئا في مواجهة نفسك، وتنتشلها من الخراب، وتوجهها نحو الباب الذي سيسمح لك للكشف عن نفسك حينها كن جريئا وإلا ستعود أدراجك مغلقًا الباب خلفك إلى دائرتك التي أصبحت – لا شك- ملجأك المظلم.
يُقال: إن من يكون جريئا في الكتابة، يكون خجولا في الواقع والحقيقة وأن الشعراء هم الذين يقولون ما لا يفعلون، فهل هذا ينطبق على كاتب؟ هذا الأمر لا يمثلني بوصفي كاتبا؛ فأنا غالبا ما أكون جريئا في الواقع والحقيقة كما أكون جريئا أيضا في القلم ، جريءٌ نعم، ولكنني لست لدرجة أن أكون وقحًا، فالجرأة تحتاج أن تقول الحقيقة حتى ولو كانت مرة وحتى ولو على نفسك أيضًا؛ لأن قولها صعب، ولا يستطيع أن يقولها إلا الذي يمتلك الجرأة والشجاعة لقولها رغم معرفته عواقبها، تكلم عن حقيقتك حتى ولو كنت تراها لا تناسب غيرك، فهكذا ستكسب ثقة الناس بك فإن لم تكن جريئا؛ فلن تكون صادقا في الغالب.
أتذكر موقفًا قبل أكثر من اثنتي عشرة سنة لا يزال وكأنه أمام عيني بما رأيت فيه من جرأة لذلك الرجل الذي أتى بعدما كنا ننتظر جميعًا دورنا في تخليص معاملة في إحدى الدوائر الحكومية، كان المكان يضج بالكثير من الناس سيدات وسادة جميعهم كانوا ينتظرون دورهم، لكن الأمر الذي رآه هذا الرجل لم يكن يعجبه فكان يراه عنصريًا نوعًا ما، فالموظف كان يُخلص معاملات النساء قبل الرجال ، فكلما انتهى من معاملة لامرأة أخذ المعاملة الثانية لامرأة أخرى غير مبالٍ بالطابور الرجالي الذي يقف صامتا يشاهد الموقف؛ ربما كان الخجل مسيطرًا وربما أيضًا يرونه إحراجا في أن يتقدم أحدهم امرأة؛ (فالسيدات أولا) هي الجملة الشائعة آنذاك، ولكن قد لا تبدو جائزة في موقف كهذا، فما الذي حصل عندما أتى هذا الرجل؟
لقد رأيته يتقدم الصف ويجاهد ليصل إلى الموظف وبعد السلام قال له بصوت مسموع وبجرأة واثقة وبلهجة عمانية أصيلة:(يا الطيب ما يصير كذا تخلص معاملات النساء فقط وهنا رجال ينتظرون، ياخي خذ مرة من جانب الرجال ومرة من جانب النساء، مرة من هنا ومرة من هنا) . وما أن سمع الموظف هذا حتى امتثل لأمره؛ لأنه يعرف بأنه كان محقًا في كلامه. ما كان يثير استغرابي هو أين كان أولئك الرجال الذين يقفون بلحظة صمت ومشاهدة الأحداث أمام ناظرهم دون أن ينبسوا ببنت شفة، لا أخفيكم أنني كنت من ضمن هؤلاء الناس، لكنني لم أكن جريئا بما فيه الكفاية يومذاك، إذًا هي جرأة وليست وقاحة حتى لو عدتها إحداهن أنها وقاحة من رجل ضيَّق عليها وقتها، لكنها تبقى حقيقة أن ما فعله الرجل كان صحيحًا وعادلًا.
لتحقق نجاحك في الحياة؛ يجب أن تكون جريئا في العمل، في التفكير، حتى في مستقبلك الذي تظن أنه من الاستحالة تحقيقه، فهذا يعني أنك لا تزال خجولًا أو أنك خائف من جرأتك في مواجهة العواقب، كن جريئا تكن ناجحًا ، واجه من تواجه لتحقق مبتغاك، اكسر خجلك وخوفك، واجعل مستقبلك يبدو حاضرًا أمامك وكأنك تراه ؛فالجرأة تعني أن تتحلى بالمروءة والشجاعة، وأن تكون على ثقة بأن جرأتك سبيل لانتصارك اليوم أو غدًا؛ فلا تتخلى عن أهدافك وأمنياتك مهما كانت الإغراءات والمثبطات لوقفك عن تحقيقها فلا تترك نفسك تنصاع لها، فماذا يعني كل هذا؟ هذا يعني أن تكون جريئا.