2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

الاختلاف منهج الحياة

عبدالله بن حمدان الفارسي

 

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات: 13].

طرف صادق والآخر على النقيض، هنا وضوح وفي الجانب الآخر غموض، يوجد نور وفي المقابل عتمة، هذا يداعبه الفرح وذلك يخنقه الترح، يتعاقب علينا الليل والنهار، التضاد بين الخير والشر، أشعر باللذة وغيري بالمرارة، الحياة صُنفت على أنها مكمن التناقض؛ لما فيها من أحداث متضاربة أكثر منها توافقية، فمن النادر التجمع على صفة واحدة وباستمرارية، أو الشعور بنمط متشابه بصفة الديمومة، الإنسان بعينه من النادر أن تجده متصالحًا مع نفسه وعلى ثوابت واحدة، حياتنا مزيج من النقاط غير المتآلفة والمنسجمة، كهذه أنماط تتوقف عليها استدامة عجلة الحياة، فلا يمكن أن تكون مثالية لأقصى الحدود أو متشابهة، ولا سيئة لأسوأ الحالات، وقد تصل، بمعنى تقلبات ومتغيرات لا ثوابت، وهذا ما تكرمت به الآية المشار إليها أعلاه.

إن الحياة بدون اختلافات وخلافات ستبدو كالظلام الدامس؛ بحيث لا يمكنك الاستمتاع بما حولك بشكل مكتمل، وبوضعية الانفراد والتعايش مع صفة واحدة أو على وتيرة واحدة لا يعطي شعورًا تكامليًا للإبداع أو التميز أو البحث عن الآخر من أجل التنافس معه، سواء أكان ذلك التنافس شريفًا أو على خلافه.

إذاً فنحن كوننا بشر بصفاتنا، وهيئاتنا المختلفة والمتنوعة بحاجة ضرورية للاختلافات والخلافات، فبهما نتمكن من سبر وبحث عمّا هو مفقود منا، فمهما كان المفقود صالحًا أو طالحًا، فما تراه أنت حسنًا أراه من وجهة نظري عكسه، إذاً ليست هناك حياة قائمة على ركيزة التكامل الطبيعي بشكل مفرد، أو عادات وطباع نموذجية خالية من العيوب والشوائب، هي-الحياة- عبارة عن مجموعة تناقضات متواجهة، فمن خلال الديباجة السابقة أنا أجزم وهذه -قناعة شخصية- قد يكون أحد ما لا يوافقني عليها، وهي نقطة اختلاف قابلة للوصول إلى حد الخلاف، بأن الله جلت قدرته خلق الحياة على ما هي عليه، ليمكّن الناس من إدارة دفة السعي للبحث عمّا يرونه مناسبا، بجهودهم المرتبطة بمشيئته، مصداقًا لقوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)[التكوير: ٢٩]، وأن يعملوا بما يتفق واحتياجات ورؤية كل منهم سواء أكان على مستوى الفرد أو الجماعة، لقوله تعالى: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)[البلد: ١٠]، ولضرورة سير عجلة الحياة ومواصلتها بشكلها الطبيعي لا بد من وجود نقاط الخلاف والاختلاف؛ لأن فيها تنافس من أجل حياة أفضل، تلك التنوعات هي في المقام الأول مصدر للابتكارات والتحديث، وأحيانًا ذات أهمية لوقف سعي الآخر من التخريب وردعه، وإقناعه بتغيير اتجاه بوصلته إلى جادة الحق والاستقامة، ونحن نعاصر عقائد وانتماءات ينأى عنها العقل السليم والفطرة السوية، ومع ذلك نجد أن المنتمين لتلك الفئة هم من خيرة الناس الذين قدموا وما زالوا يقدمون النافع للبشرية، ولكن ما يقتدى به لديهم بعيد كل البعد عن الرجاحة العقلية السوية.

إذًا كافة السبل متاحة، فما على الإنسان إلا أن يختار أي السبل يسلك، كما أن استمرارية الاتفاق والتوافق تكون في بعض الأوقات ظاهرة غير صحية، لأننا أحيانًا نجد أن الاختلاف في الرأي يقودنا إلى نتائج إيجابية تُسعد من كان مخالفًا لوجهة نظرنا، وكذلك الخلاف بين الأطراف يولد توافقا ولَمّ شمل بعد التخاصم والاقتتال، وكما يقال: فإن الحياة ليست دار بقاء؛ لذا فهي بمثابة الطريق المتعرج والشائك، وفيه مختلف التوجهات، والانتماءات، والولاءات، والتناقضات، وغرائز متنوعة، وبأنماط متفاوتة، وقابلة للتغير والتحول حسب ميول الفرد وما تمليه غرائزه عليه إن كانت سوية أو عكس ذلك، كذلك التميز الخلقي بيننا هو إشارة واضحة بأن الاختلافات الشكلية الظاهرة هي من أركان التقارب والتنافر بين البشر، وأيضًا الخلافات الفكرية هما ظاهرتان طبيعيتان مفادهما أن الاختلاف في الرأي وسيلة من وسائل النمو والتقدم للإنسانية، وأيضًا التنوع العرقي إحدى سمات التعارف ما بين البشر.

مفاد كل ما ذكر أعلاه، أن نتقبل وجهات النظر المخالفة لمنهجنا والمختلفة مع نهجنا؛ لأن الحياة هذا ديدنها الذي كُوِّنت وتَكوَّنت عليه.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights