2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

إمعةٌ وراء القطيع

أحمد بن سليم الحراصي

 

(هل يظن عقلك ذو الحجر الزيتوني القابع في رأسك كالجزمة بأن البحار والكواكب والشواطئ ستقف دقيقة صمت حزينة بسبب تغيرك أو رحيلك؟ خسئت يا إمعة)، لقائلها.

حينما تكون تبعيا بقراراتك التي تتخذها وأفكارك، ولا تمتلك شخصية في قيادة دفة نفسك نحو الأفضل وغير متصلب، ويسهل على الجميع حنوك تُصبح حينها (إمعة) تابعا لغيرك في كل قراراتك الحاسمة في حياتك دون تفكير، فقط بمجرد أن قال لك أحدهم: طاوعني
أهدك الطريق السوي!.
وكم هم كثيرون أؤلئك الإمعات في يومنا هذا والذين لا رأي لهم، ويتبعون رأي الآخرين بأن يقولوا: نحن معك! ، إذا اهتديت، اهتدينا معك وإذا ضللت،ضللنا معك.

تخيل معي الآن وسأجعلك -أيها القارئ- هنا صاحب مشروع ما تريد أن تستثمره، ولا يأتي ذلك المشروع ربحه سوى بأن تكون شريكًا مع أحدهم، فطرحت فكرتك لشريكك الذي سيكون معك في هذا المشروع، أو لنقل بأنه هو من عرض عليك أن يشاركك في هذا المشروع وأنت -في الأصل- لم تفكر في أن تأخذ هذا الشريك في تكوين مشروعك الذي أنت في صدد أن تنجزه وكنت تبحث عن شريك ثقة وصاحب خبرة ومراس، ولكن يأتيك دون سابق إشعار هذا الشريك ويعرض عليك المشاركة.

ثم يقول لك: أنا معك دائما وسأكون عند حسن ظنك في إنجاز مشروعنا هذا بنجاح بمشيئة الله، ثم يخبرك بأنه قد فكر عميقا، وقد ارتاح لهذا المشروع، وهو يريده منذ فترة طويلة، ولن يخيب ظنك فيه أبدًا، هذا وبعد أن تطمئن أنت -عزيزي القارئ- من أحقية هذا الشخص في أن يكون شريكًا -خاصة إن كان هذا الشريك هو واحد من الأقارب- يعني ليس غريبًا، وبعد اقتناعك به وتفكيرك ملياً؛ ستقرر بإجازته في أن يكون شريكًا، ثم يفاجئك بأن لديه شرطًا وهو أن يبدأ المشروع هذا بعد ثلاث سنوات من تاريخ إنشائه؛ وذلك لارتباطه ببعض الأعمال التي تعيق انضمامه بالمشروع الآن، ومع هذا فإنك ستوافق على مضضٍ؛ احترامًا لصلة القرابة التي تربطكما معًا.

وخلال هذه السنوات الثلاث، كان المشروع بحاجة إلى تخطيط جيد لإنشائه، وطالما أنك أنت صاحب المشروع -عزيزي القارئ- فهذا يعني أن مسؤولية تكوينه تقع عليك، فكل المعدات والتجهيزات اللازمة للمشروع تدفعها من جيبك الخاص، في حين أن صاحبك مشغول بدراسته وأعماله الخاصة لحين انتهاء مدتها، ومن ثم حسب وعده لك بأنه سينضم ساعة بدء العمل.
ومن الممكن أن تكلفك تلك التجهيزات الكثير من المال لكن الأمر يستحق العناء، ويستحق أيضًا من أجل شريكك – قريبك بالدم وصلة الرحم – فأنت تراه أهلا لذلك، كان صاحبك يُظهر أنه ذو خبرة طويلة في هذا المجال، فيخبرك بأن توفر بعض الأشياء المهمة لصالح المشروع، وأن تعمل جاهدًا لجلب بعض المعدات وحجزها ساعة بدء العمل، فمن حسن ظنك له وبصلة القرابة التي تربطكما، وفرت له ما أراد وأكثر.

ثم بعد الثلاث سنوات التي مضت، حان وقت بدء العمل في المشروع إلا أنك تتفاجأ بصاحبك يقول: أعتذر عن مواصلة العمل معك في هذا المشروع؛ فأنا أرى نفسي غير متقبل هذا المشروع، ولا أريدك أن تكون معي في مشروع كهذا!.
– لماذا؟ هل هناك شيءٌ تراه قد نقص في هذا المشروع؟
– لا شيء سوى أنني لا أريد أن أكون معك وأنا وافقت للدخول في هذا المشروع لأن (أمي) أو (أبي) من أوصاني به، وقد حاولت كثيرًا أن أكون متقبلا مشروعك هذا خاصة وأنت الذي تكون فيه، ثم أنني لا أفكر في الدخول بمشروع الآن!
– إذًا، أنت وافقت مجبرًا وقد قمت بتمثيلك هذا كل هذه السنوات الثلاث من أجل أن تحظى بالمتعة!!؟

ماذا ستفعل حينها -عزيزي القارئ- حينما تكون في موقف كهذا، وقد صرفت فيه مبالغ كثيرة لأجل شريكك هذا الإمعة؟ من سيسترد لك حقك وأموالك التي ضاعت هباءً منثورًا؟ صحيح أنه بإمكانك الارتباط مع شريك آخر إلا أنك في الوقت نفسه قد أضعت ثلاث سنوات من عمر المشروع دون شيء يذكر، ودون أي شفقة من أولئك الذين يدّعون بحق القرابة بينكما، وأنهم أهلك ولو كنت في المهلك، كان بإمكانك أن تجد شريكًا آخر طيلة هذه السنوات الثلاث العجاف، ولست بحاجة أن تنتظر إمعة لا يملك قرارا لنفسه وذا شخصية ضعيفة ويُقاد كما تُقاد القطيع للماء؛ إلا لأنه وعدك، وقال: أنا موافق بكل قناعة ودون تدخل من أحد في قراري.
أُخبرك الآن-أيها العزيز- لا يوجد هناك ما تفعله سوى أن تتحسب عليه، وأن توكل أمرك لله فهو وكيلك وأن تبحث عن شريك آخر يتفهمك ويقدر تعبك وجهدك وعرق جبينك.

كُثرت الإمعات في عصرنا هذا وازدادت، وأخشى أن نكون شعبًا سخيفًا ضعفاء النفس والعقل، فأنا في حياتي التي عشتها كلها لم أذكر أنني اتخذت قرارا خاطئًا ، كانت كل قراراتي متقنة، وجاءت بعد تفكير عميق محَّصت فيها الإيجابيات والسلبيات، ثم غالبًا ما تراني أقول: نعم أم لا، في الوقت الذي لا يستطيع فيه إمعة أن يقول (لا)، أنا ومن يوافقني نستطيع قولها إن كنا غير مرتاحين من هذا المشروع، اجعل قرارك مصيرك فأنت من تحدد قرارك، وليس الآخرون وكن دائما وليد نفسك، ولا تقرر في حياتك قرارا أنت غير مقتنع به؛ فتحرج نفسك وتضع غيرك في موقف صعب.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights