الفعاليات الثقافية المصاحبة لمشاركة السلطنة كضيف خاص في معرض باريس للكتاب
باريس/العمانية
شهدت العاصمة الفرنسية باريس حضورا ثقافيا وفكرياعمانيا لافتا لعدد من الأنشطة الفنية والثقافية والمحاضرات وذلك ضمن الفعاليات المصاحبة لمشاركة السلطنة كضيف خاص في فعاليات معرض باريس الدولي للكتاب في دورته الـ39 والتي تستمر حتى 18 من مارس الجاري.
وبدأ البرنامج الثقافي في يومه الأول بإقامة محاضرة بعنوان / اللغة العربية واللغة الفرنسية التأثير والتأثر/ حاضر فيها حسن بن محمد الرمضاني من كلية السياحة وقال إن اللغة ظاهرة اجتماعية وجسر التفاهم والتواصل بين الأفراد داخل المجتمع الواحد وأهم مقوم من مقومات أي أمة من الأمم فتميزها من غيرها سمة تطورها ورقيها.
وأوضح الرمضاني أن اللغة العربية أثرت على اللغة الفرنسية خلال الفتوحات الإسلامية ففي القرن الثامن من العصر الذهبي من زمن العباسيين كان التأثير علميًا من خلال الجبر والكيمياء.
وأشار الرمضاني إلى أن تأثير الأدب الفرنسي بشكل خاص والأوروبي بشكل عام كان أعمق خصوصا في الأدب المعاصر فعلى صعيد الأجناس الأدبية ظهرت في الأدب العربي أجناس لم تكن موجودة قبل ذلك كالمسرحية والرواية والقصة القصيرة
والأقصوصة والقصة الشعرية. وعلى الصعيد الفني انتشرت في الأدب العربي تيارات أدبية أوروبية كالرومانسية والواقعية والرمزية والسريالية. أما على الصعيد الفكري فقد انتقلت إلى الأدب العربي اتجاهات فكرية ذات منشأ فرنسي وأوروبي كالماركسية والوجودية والليبرالية. وهذا طبيعي بهدف الانتشار والتوزيع دون أن ننسى الاستعمار والانتداب الفرنسي في المشرق والمغرب العربي.
وركزت الباحثة الفرنسية هنريت والتر في كتابها / كلمات فرنسية أتت من الخارج/ على وجود أكثر من 500 كلمة فرنسية ذات أصل عربي أي بنسبة 5% الكاتب وعالم اللغة
الفرنسي جان بروفو مؤخراً كتابه /أجدادنا العرب/ ما تدين به لغتنا لهم تعبيراً عن عرفانهم وامتنانهم بفضل اللغة العربية والعرب في انتقال العديد من الجوانب العلمية الثقافية والحضارية إليه.
كما أقيمت جلسة حول /الطفولة وتربيتها ورعايتها في عُمان/ حاضر فيها الدكتور عامر لعيسري من وزارة التربية والتعليم والوزير السابق بيار جوكس، وأدارت الجلسة الإعلامية رولا الزين.
وقدم الدكتور عامر بن محمد العيسري ورقة عمل بعنوان /رعاية الطفولة وتعليمها في سلطنة عمان/ وقال إنه لا يختلف اثنان على أن مرحلة الطفولة المبكرة من المراحل الأكثر أهمية في عمر الإنسان فهي بذرة التأسيس في بنائه والأساس الذي يشكل سمات شخصيته متأثرا بنوع التنشئة والرعاية التي يحظى بها عبر مراحل نموه فكرا ووجدانا وسلوكا ولغة، كما إنها النواة التي يعتمد عليها إنتاجيته وعطاؤه المستقبلي فهي مرحلة يكون الطفل فيها غضا من النواحي الجسمية والعقلية والنفسية شديد القابلية للتأثير بالعوامل المختلفة المحيطة به الأمر الذي يظهر أهمية السنوات الأولى في تكوين شخصيته بصورة تترك طابعها فيه طيلة حياته وتجعل تربيته في هذه المرحلة أمرًا يستحق العناية البالغة.
وأضاف العيسري أن مرحلة الطفولة المبكرة ورعايتها وتربيتها وتعليمها تنبثق من أهمية التعامل مع الأطفال في السنوات المبكرة وأساليب التفاعل الناجح معه، فالطفل في هذه الفترة يكون على درجة كبيرة من المرونة والقابلية للتعليم وشدة الحساسية لما يدور حوله، ولما يتعرض له من خبرات، وتظهر الدراسات والبحوث التربوية في هذا المجال أيضاً أن مرحلة الطفولة المبكرة تمثل جانباً حاسماً ومهماً في حياة الشخص وبناء شخصيته، وتطوير قدراته المختلفة: من عقلية ونفسية واجتماعية وفسيولوجية.
وأوضح أن السلطنة اهتمت بالطفولة وسعت لإعطاء هذه الشريحة المهمة من المجتمع حقها من جميع نواحي الحياة فقد أقيمت العديد من الفعاليات والملتقيات الخاصة بالطفل العماني في البلاد وتوجد حدائق ومتنزهات مناسبة للأطفال كما يوجد متحف خاص بالطفل، وخصص مجلس الوزراء عام 2012 عاما للطفل، وتم مؤخرا إنشاء جمعية ( الأطفال أولا ) برئاسة صاحبة السمو السيدة الدكتورة منى بنت فهد آل سعيد والتي تعمل على تعزيز القيم بين أطفال المدارس في السلطنة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم كما تعمل على إيجاد أنشطة عملية تعزز الابتكار والتفكير الإبداعي لدى الطفل العماني بما يتلاءم وطبيعة القيم التي ينبثق عنها .
وأكد أن هذا الاهتمام بالأطفال في السلطنة توج مؤخرا بصدور المرسوم السلطاني رقم(22 /2014 ) بإصدار قانون الطفل، كما أن ندوة التعليم في عمان التي عقدت مؤخر في فندق قصر البستان اشتملت على 24 ورقة عمل تطرقت معظمها بأسلوب مباشر أو غير مباشر إلى أهمية التعليم قبل المدرسي وضرورة زيادة الاهتمام به وتقديم الدعم اللوجستي والفني لتطويره.
واختتمت الورقة بتقديم توصيات من شأنها تنظيم العمل وتطويره من خلال إعداد استراتيجية شاملة لرعاية الطفولة تشترك فيها جميع الجهات الحكومية المعنية بالطفولة ويدعمها القطاع الخاص بالتعاون مع مختلف مؤسسات المجتمع والمنظمات الدولية في تحقيق رؤية تربوية تسهم في تنمية ورعاية الطفولة والتنويع في البرامج التربوية المؤسساتية والمجتمعية المقدمة للأطفال، وتشجيع المبادرات التربوية المتعلقة برعاية الأطفال وتعليمهم وحث القطاع الخاص على المساهمة بدور فاعل في تشجيعها، والاستفادة من الدراسات والأبحاث التربوية في مختلف دول العالم في عملية تطوير الرعاية الشاملة للأطفال.
كما تم تدشين والتوقيع على مجموعة من الإصدارات لعدد من الكتاب والشعراء العمانيين.. وأقيمت أيضا محاضرة بعنوان /كيف تكون السينما في خدمة الآثار: علم التنقيب في السلطنة بين الحماية والتحديات/، عرض خلالها فيديو مستمد من فيلم /عُمان،كنز مضمار/ وشارك في هذه المحاضرة البروفيسور غييوم جرنيز من جامعة السوربون، وبلانش غيشو رئيسة جمعية منتجي السينما والتلفزيون في فرنسا /منتجة فيلم عُمان، كنز مضمار/.
كما تضمن البرنامج الثقافي أيضًا إقامة ندوة احتفائية حول دور مجلة نزوى في المشهد الثقافي بمناسبة مرور 25 عاما على تأسيسها، أدارها الصحفي والكاتب عاصم الشيدي وشارك فيها الأديب سعادة سيف الرحبي والروائية هدى حمد والدكتور عيسى مخلوف والدكتور الهواري غزالي.
وقالت الروائية هدى حمد في كلمة لها إنه منذُ تشكل الفكرة إلى تحققها واقعيا عام 1994م ومجلة نزوى تقدم محاولات دؤوبة للخروج من التشرنق المحلي لصالح رقعة أوسع، وذلك عبر استيعاب الأصوات والممارسات الثقافية المختلفة عربيا، وعالميا عبر التعاطي المستمر مع مترجمين عرب أو مُستشرقين ممن يكتبون باللغة العربية لتقديم أسماء مُهمة من أمريكا وأوروبا وآسيا وإفريقيا.
وأضافت أنه في زمن تفتحت فيه مجلات وأغلقت أخرى، تأخذ مجلة نزوى مكانتها وسط الإصدارات العربية الأخرى، وعلى رفوف المكتبات المهمة، وجامعات عربية وعالمية مهمة تعتدُ بالمجلة كمرجع أصيل للباحثين والدارسين الأمر الذي يُشجع استمراريتنا، ويفتحُ أفق تطلعاتنا.
وأوضحت أن في بداية التسعينات بدأ الأدب الحديث في عُمان يشق طريقه على الصعيد الأكاديمي والنقدي، وعلى الصعيد الشعري والقصة القصيرة وبدايات انطلاق الرواية أيضا.
فبطبيعة الحال لم تكن هناك أطر ثقافية ومنابر تستوعب ذاك الحراك والإبداع المستجد والذي استمر كراهن آنذاك وكمستقبل أيضا ضمن صيرورة الزمان.
وأكدت أن سبب اختيار هذه التسمية للمجلة “نزوى”، فـ “نزوى” هي مدينة مُهمة في الذاكرة العُمانية والثقافية والمجتمعية والمعرفية والسياسية أيضا رغم أنّ البعض يسحب المفردة إلى معنى “النزوة” والتي تعني المغامرة صوب جهات جديدة، الأمر الذي يُشبه قليلا البذور التي نبت وأوجدت منها هذا المشروع.
وقالت هدى حمد إن المجلة منذ إصدارها الأول طرحت مشروعها لاستيعاب الأصوات والممارسات الثقافية العُمانية بشكل أساسي من غير انحياز ولا تحزب بالمعنى الايديولوجي أو بالمعنى الأدبي، فهنالك مساحة للجميع في ضوء مقياس القيمة الإبداعية قبل كل شيء، فلا أهمية لقصيدة نثر على القصيدة الكلاسيكية أو قصيدة التفعيلة “والتي أخذت بالضمور” إلا بما تطرحه القيمة الفنية وما نطرحه من إضافة على الصعيد الجمالي والدلالي، وليس لمجرد الانتصار للشكل.
كما أنها لا تميل لمنظومة معرفية أو فكرية في حد ذاتها وإنما تحتكمُ إلى التعددية بالمعنى الفكري والجغرافي والأدبي. ولهذا حاولتْ المجلة أن تتجنب تجارب مجلات رائدة في الوطن العربي، والتي لم تمنعها ريادتها من التحيز لمجموعة ثقافية أو لتصور ثقافي بعينه.
فيما اختتمت الفعاليات الثقافية لليوم الأول بأمسية شعرية أدارتها الإعلامية لويزة ناظور وشارك فيها كل من الشاعر حسن المطروشي والشاعرة شميسة النعمانية والشاعرة فاطمةإحسان. وتناوب الشعراء على المنصّة، وحلقوا في فضاءات الجمال وتنوع نصوصهم.