فرق مستشار، عن مستشار
يوسف عوض العازمي
“القراءة تصنع إنساناً كاملاً، والمشورة تصنع إنساناً مستعداً، والكتابة تصنع إنساناً دقيقاً”- (فرانسيس بيكون).
ما أكثر القصص المتداولة عن المستشارين في التراث وفي التاريخ العربي وغير العربي، وكم من ملك ضيّعه مستشاروه، وكم من ملك رفعته استشارات المستشارين الأكفاء إلى أهمّ صفحات التاريخ المشرفة، والمستشار هو الظلّ والصديق الصدوق لأيّ إنسان مهما كانت مكانته، فمستشاره الأول والدته أو والده أو إخوته في الدائرة الأسرية الضيقة، ينطلق بعدها ليكون صديقه وابن الجيران أو صديق الدراسة، ورمزية الاستشارة أو مستشارها ليست في كبر السن أو الوثوق النفسي، لكنها قد تكون أمراً واقعاً.
تصوّر لو أنك تخرّجت للتوّ من المرحلة الثانوية، واحترت بالتخصصات الجامعية، وقد تعرف ما يناسبك، إنما تستشير على قاعدة: ليطمئن قلبي.
ثمّة من يستشير في كلّ شيء وأيّ شيء وهذا خطأ كبير، وكذلك هناك من يدّعي أنه يعرف كل شيء وأي شيء، وهذا خطأ أكبر؛ لذلك فالتوازن في إدارة الأمور هي السمة الأفضل.
في إحدى الحكايات المجهولة المصدر، يُحكى أن رجلاً يعرف أحدهم ممن كان يتصدّر منصباً متخصصاً ذو قيمة ومكانة، وكان مصدر ثقة لهذا الرجل، إذ كان يستشيره بأمور تتعلق بتخصص صاحب المنصب (أي يشاوره في تخصصه وعلمه) والعجيب أنه كلما استشاره بأمر ما ونفّذ المشورة أو سار على نهجها، لم يحالفه التوفيق ولم تكن المشورة في محلها، استغرب الرجل من الذي يحصل معه، واحتار في أمر هذا الرجل الذي أحياناً يستشيره ويثق باستشارته، إلى أن وجد خطة أو فكرة لاختبار مستشار الحيرة، ففي إحدى الأمور المتعلقة بتخصص من كان يستشيره قرر الرجل اتّباع طريقة وجدها حلّاً واقعياً واقتنع بها، لكنه فكر بقرارة نفسه: سأستشير هذا الشخص فإن أعطاني إستشارةً عكس ما أردت سأخالفه وأرى تبعات المخالفة، وبالفعل تواصل معه وسأله عن الأمر المراد، وكما توقع أشار له باستشارة عكس ما قرره (وهو غير المتخصص) فقرر السير على نهجه هو وعاكس الاستشارة، فإذا بالأمور تسير بالاتجاه المأمول والصحيح.
لا شك أن الحكمة هي: أعطِ الخبز لخبازه ولو أكل نصفه، هنا تؤكد الحكمة ضمنياً بمصداقية الخباز، إنما لا سبيل للاطمئنان لمتخصص غير أمين، أعتقد أن معنى الحكمة وخبازها ينتفي هنا، وبالطبع لو “خليت خربت” والأمناء هم الغالبية، والغاية ليست قصة صندوق الطماطم الذي خربت منه حبة طماطم واحدة فعمّت على الصندوق؛ لذا لست بغرض التعميم السلبي، إنما لغرض أن المؤمن كيّس فطن.
فكرت وتمعّنت في كثير من الجهات المسؤولة التي يتزاحم بها من يحملون لقب “المستشار”، وأتساءل: هل فعلاً هؤلاء المستشارون أكفاء؟ وإن كانوا أكفاء وأصحاب تجربة، هل يُستشارون؟ وإن كانوا يستشارون، هل يشيرون بالأمور الصحيحة؟ وإن كانوا يشيرون بالأمور الصحيحة، وهنا السؤال الأهم: هل يؤخذ برأيهم؟
ونتذكرت قول الشاعر بشار بن برد:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن
برأي نصيحٍ أو نصيحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضةً
فريش الخوافي قوة للقوادم