الفخر بالقبيلة والمبالغة بها صفة ترفضها القبيلة نفسها
محمد بن العبد مسن
أخي الكريم،
لكل القبائل العربية صفات مشتركة ولابد منّا جميعاً أخذ الأفضل منها وترك الأمور التي تنافي أوامر الله والسنة النبوية.
وثمة العديد من العادات والتقاليد الحميدة، قد تكون سلبية إذا ما تمّ استخدامها بطريقة مخالفة لقانون البلاد وهي: (الوجه والجيرة).
هي عادةً قبلية ضاربة في القِدم، تجير بموجبها قبيلة ما شخصاً هارباً من قبيلة أخرى وتحميه.
وقد يُطلق عليها أيضاً مصطلح الدخالة، والدخيل هو المستجير.
وهي من العادات القديمة قبل وجود الدولة وقوانينها التي تضمن حقوق الجميع، ويتم خلالها إيجاد الحلول المناسبة للخلافات القبلية وتوفير الحماية للجاني، ويُعطى فرصة لإثبات براءته أو تتم التسوية لجميع الأطراف.
وهناك أيضاً عادات أخرى مثل إكرام الضيف.
حيث يعتبر كرم الضيافة إحدى أجمل صفات القبائل العربية.
وهناك العديد من القصص والحكايات التي يتم تناقلها منذ أقدم الأزمنة وحتى اليوم في امتداح هذه الفضائل.
أخي القارئ،
هناك عدد من المقالات والكُتّاب تحدثوا عن فوائد القبائل في المجتمع.
حيث قال الدكتور (عصام عبداللطيف الفليج) في إحد مقالاته متحدثاً عن وضع القبيلة في المجتمعات العربية قديماً وحديثاً حيث قال:
إن الانتماء القبليّ بحدّ ذاته ليس مما يُذمّ، فالنسب نعمة تستحق الشكر لا الفخر، فالله عزّ وجل هو الذي أوجدك في هذه القبيلة ولستَ أنت من اخترتها، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولَد آدم يوم القيامة، وأول مَن يَنشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفَّع)، وقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) سورة الحجرات، آية ١٣.
وقد استفاد الإسلام من رابطة القبيلة في نشر الدعوة، ولا مانع من استخدامها مظلة واقية ضد التعصب أو التفلت.
وفي الدولة الإسلامية الأولى ظلت القبيلة هي الوحدة الاجتماعية والوحدة الحربية في الفتوحات الأولى، واستفاد الكيان الإسلامي من هذا الوجود إلى أقصى حد.
ومن محاسن القبيلة أن الإنسان ربما يهمّ بعمل مخالف للمروءة في مكان خالٍ، حينما يغره الشيطان، فمتى ما ذكر أن قبيلته ستعاتبه وتعيب عليه توقف وتراجع، ومنها أنها دعمٌ للإنسان وسندٌ له في الملمات، فإذا ما وقعت عليه دية أو تحمل غرامة وكان ينتمي لعشيرة مباركة تحملت عنه وساعدته، ومنها أن العقلاء في القبائل إذا رأوا أن قبيلتهم ستذهب إلى مهاوي الردى نزعوها من تلك الأماكن وخاصة إذا عاش الناس في غربة.
عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء)، وزاد أحمد: (قيل من الغرباء؟ قال: النزاع من القبائل والذين يصلحون إذا فسد الناس).
هذه المنافع والفوائد في الانتماء القبلي هي التي جعلت الإسلام يقرّ بوجوده إقرار المستفيد من المنافع مع معالجة الآثار السلبية والمضارّ الناتجة عن التعصب القبلي التي تخالف مبادئ الإسلام، جاء في حديث أنس قال: قال رسول الله ﷺ: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره. رواه البخاري. حيث غيّر المفهوم السائد في النصرة بالحق والباطل، وبيّن أن نصرته ظالماً أن يكفّه عن الظلم.
كما حارب الإسلام في القبلية التفاخر والتعالي على الآخرين، فالله سبحانه يقول في الآية السابقة (لتعارفوا) وليس (لتفاخروا وتعاظموا).
أخي القارئ،
التعاون والتكافل الاجتماعي مهم ولا بُدّ للغني أن يساعد الفقير، والقويّ يساعد الضعيف، وهذا ما أمر به الدين الإسلامي.
أذكر قصة قديمة ويسعدني أن أذكرها لكم بمقالي هذا:
يُحكى أن ملكاً من الملوك اعتقل رجلاً من إحدى القبائل البعيدة، فجاءت قبيلته بشيوخها و أمرائها وفرسانها تسأل عنه وتفديه أو تشفع فيه،
فقال الملك لتلك الحشود الضخمة:
من هذا الرجل الذي جئتم جميعاً لأجله وللشفاعة فيه؟
فقالوا بصوت رجل واحد:
هو ملكنا أيها الملك.
فقال: لمَ لم يخبرنا عن نفسه ويكشف عن هويته؟
فقالوا: أنِف أن يذلّ نفسه أمامك بمنصبه ومكانته بين قومه، فأراد أن يريك عزته بقومه.
فأطلقه الملك على الفور معتذراً.
و بعد أيام جاءه خبر أن ذلك الرجل ماهو إلا راعي الإبل عند تلك القبيلة، فأرسل إليهم الملك يستفسر مندهشاً ومستغرباً مما صنعوه، فجاءه الرد منهم (لا أمير فينا إن ذَلَّ راعينا).
الهدف من هذا المقال هو بيان التعاون والتنافس البنّاء للمجتمعات، وأن المصداقية وفعل الخيرات لا بُد منها في المجتمع وهي من أساسيات الحياة لاستمرار الأمان والاستقرار في البلاد، وهي من تفرضها القبيلة على أبنائها ولا تسمح بالتهاون فيها.
ومن هنا نبين لكم أن القبيلة لا بد من التعاون معها.
قديماً، كان الرجل الذي لا ينتمي لقبيلة ما، أن يطلب الانضمام لإحدى القبائل ويحالفهم على أن يكون معهم في السراء والضراء، ويعتبروه فرداً منهم يساعدوه ويكونون له إخواناً.
ولكن الافتخار المبالَغ فيه عن القبيلة والنسب وتاريخ الأجداد صفة غير حميدة.
وهذا مما يثير استفزاز الآخرين والتقليل من شأنهم.
و للأسف الشديد هذا نا يقوم به البعض عن جهل أو بدون قصد، فهذا لا يقبله الإسلام و لا الأخلاق الطيبة، فقد نهانا عنها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، ووصفها ب(نتن الجاهلية).