فلنحافظ على شموخ الوطن، وأمانة الانتماء
خلفان بن ناصر الرواحي
كلنا وطن، والوطن ترابه عالق في خِلْقَتِنا، ونحمل جزيئات ترابه في أرواحنا، فنشعر بالانتماء والولاء له دون غيره، فلزام علينا أن نحافظ على كل شبر منه، ونرفع اسمه خفاقًا علمًا في سحائب الكون المتنقلة عبر الأثير الافتراضي، وعبر تمثيلنا الشخصي حضورًا في الوطن والغربة معًا.
فهكذا ينبغي أن نتخلّق؛ لنرسم طبائع أنفسنا وكرامتها وشموخ الوطن وعزته، ونحمل الأمانة الملقاة على عاتقنا، ونستحضر مكانة الوطن في حاضرنا ومستقبلنا، وننشئ الأجيال على تلك السليقة والفطرة التي تزرع فيهم عشق الانتماء والتمثيل على أكمل وجه، وتمثل القدوة التي تحفر اسم الوطن بين الأمم دائمًا وأبدًا.
إنَّ مما يؤسف له أن نرى تلك المبادئ بدأت في الاندثار رويدًا رويدًا، وخاصة من جيل الناشئة وفئة الشباب التي تبنى عليهم الآمال لبناء الأوطان وحفظ كرامته والذود عنه بالحال والمال، والدفاع عن قيمه ومبادئه النابعة من فطرة الدين الإسلامي الحنيف والعادات الحميدة والخصال التي تميّز وطننا سلطنة عُمان عن غيره من الأوطان، وكذلك الحال لبعض الدول العربية والإسلامية المحافظة لم تسلم من هذه النكبة السلوكية والأخلاقية والانحطاط الفكري الذي أوصلهم إلى الحضيض، والسخرية من أنفسهم وشعوبهم ومن الآخرين، طالبين الشهرة المرموقة التي يرونها بسواد أفكارهم، ولا يعلمون أنها هي انتكاسة أمة تربت على الفضيلة واحترام الذات والآخرين. فكما نلاحظ بأن ذلك ليس مقتصرًا في حدود الوطن بل تجاوزه حتى في حالة الاغتراب، وتناسوا أن الاغتراب عن الوطن لا يتوقف عند حد معين ولا يوقف الانتماء إليه، بل يزيده ألقًا وجمالًا وسموًا وبشكل كبير عندما يعكس المتغرب صورة جميلة عن وطنه بتعامله وسلوكه اللطيف المليء بمكارم الأخلاق والمبادئ السامية.
لقد بدأت وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة تتحفنا بين فينة وأخرى بمقاطع مرئية ذات قيمة تكاد تصيبنا بخيبة الأمل، وصادمة بالنسبة لنا؛ وذلك لما وصل إليه أمثال من يمتهن تلك السلوكيات بدواعي جذب الانتباه والحصول على أكبر عدد من المتابعين، ويتكلم بلهجة ركيكة، ويتقمص شخصيات غريبة ليس لها صلة بالانتماء لتراب الوطن ومن يعيش على منهجية الأخلاق السامية التي ترفع من قيمة الإنسان ووطنه! فكيف لأمثال هؤلاء تتاح لهم مساحات الخطاب والنشر ولا تحاسب؟! ومن نصّبهم حتى يمثلوا أخلاقيات شعب حرٍّ أبيٍّ منذ القدم؟! أليس هناك من رادع ومحاسبة لأمثالهم؟ أم تلك هي حرية شخصية تمثله هو فردًا دون الوطن؟!
إن الوطن يعد قطعة من القلب، ومهجة الروح وراحة الجسد، إن حب الوطن يعد فطرة في كل إنسان منا، فعلى أرض الوطن ترعرعنا، ومن مياهه قد شربنا وارتوينا بجميل المبادئ والأخلاق مع كل قطرة ماء، وتحت سمائه حلقت أحلام طفولتنا لنسمو به دون غيره، إن الوطن هو من رعانا بصغرنا، فنذرنا له النفوس بكبرنا، وليس هناك خلاف في محبة الوطن وتقديره بقدر ما يجب أن ذلك مزروع بتراب الانتماء، فلا يوجد إنسان يكره وطنه الذي عاش وترعرع فيه، وقد تغنى الشعراء في أوطانهم بالكثير من القصائد وأبيات الشعر التي تقشعر لها الأبدان، ومن تلك القصائد المشهورة لنزار قباني التي يقول فيها:
وطني اُحِــــــــــــبُكَ لا بديل
أتريدُ من قـــــــــــولي دليل
سيظلُ حُبك في دمــــــي
لا لن أحيـــــد ولـــن أميل
سيظلُ ذِكـــــرُكَ في فمي
ووصيتي فـي كل جيل
حُب الوطن ليـــــسَ ادعاء
حُب الوطـــــن عملٌ ثقيل
ودليلُ حُبي يـــــــــا بلادي
سيشهد به الزمنُ الطويل
لهذا علينا أن نعي معنى الوطن وقداسة اسمه وشعبه وترابه، وليتذكر كل منتمٍ لهذا الوطن أنه يمثل شموخ وطن، وأمانة شعب أبيّ من القدم. فالانتماء للوطن يأتي من حقه على أبنائه في أن يصونوه من كل ما يلطخ سمعته، وأن يحافظوا على مكانته من هجمات الأعداء والمغرضين ويحموه بالأرواح والدماء وحسن الخطاب، ولهذا فإنّ الانتماء للوطن لا يكون بالكلمات، بل يكون قولًا وفعلًا، وبالعمل الدؤوب في سبيل رفعته ووضعه في المقدمة في كلّ مكان وزمان حتى يكون مميزًا له اسمه الكبير دائمًا، وحتى يظلّ منارة للقدوة والشموخ والإبداع.