تفاعلات ” حمض الكبريتيك ” !
يوسف عوض العازمي
” الإدارة هي لعبة فكرية، وكلما فكرت بطريقة أفضل كلما حققت نتائج أعظم ، لذا فكِّر جيداً وانتق من يفكر ، واعمل مع من يفكر “
( ديل كارنيجي )
يُحكى أنه في إحدى السنوات الماضية كان هناك مديراً عاماً بإحدى الجهات التجارية وكانت سمعة هذا المدير سيئة، والشكاوى حوله كثيرة من العاملين أو المتعاملين مع ذات الشركة، وكانت الإدارة العليا للشركة على علم بكل ذلك، حيث كانت أصداء الشكاوى والانتقادات للمدير تصلهم بشكل واضح، ورغم ذلك ووسط استغراب الناس، كانت الإدارة العليا تضع ثقتها اللامحدودة في هذا المدير المثير للجدل!
ما الذي يحدث؟ يتساءل الكثيرون، كيف تضع القيادة الموقرة يدها بيد هذا المكروه من جل المتعاملين؟ بالطبع وبطبيعة هذه الظروف كانت شائعات فساد المدير تسير بها الركبان، وتتداول بين العامة، وبأن هذا المدير يعمل كل شيء لصالحه ويشتري الذمم، ويضع العوائق أمام أي قرارات تؤثر على مصالحه الخاصة، وبأن له لوبيات تضع أوزارها على كل مفاصل الشركة الكبرى، ومجموعات ضاغطة توجه الرأي العام للمتعاملين مع الجهة التجارية!.
أما خط سير الشركة عملياً وتجارياً فهو على ما يرام، وتحقق نتائجها المعتادة فصلياً و دورياً، ويعتقد الكثيرون أنه ربما لهذا السبب جماعة الإدارة العليا لا يحركونه في منصبه ساكناً، وله شبه التزكية فهو يعمل سدًا فاصلًا مريحاً بين الإدارة والمتعاملين، وهو من توجه له سهام الانتقاد والشكوى دائما، بينما الإدارة العليا بعيدة عن هذه الأمور، أي بلهجتنا العامية “وضعوه بوجه الناس واستراحوا!”.
مرت الأيام وقدَّر الله أن تتبوأ دفة الإدارة بالشركة قيادة جديدة، وفوجئ العاملين والمتعاملين بأن هذه القيادة جددت الثقة بالمدير العام وتم دعمه من أعلى سلطة بالشركة!.
عندما يتمعن الإنسان في معنى ما يحدث يجد الجواب بسيطاً وسهلاً فإن تم ضبط المعنى على طريقة أهل الكيمياء سنجد أن حمض الكبريتيك المخفف يتفاعل مباشرة مع المعادن الواقعة قبل الهيدروجين في السلسلة الكهروكيميائية، ولا يتفاعل مع بعض المعادن، كالذهب مثلاً.
لذلك بناء على الحلول الكيميائية يتبين بأن الإدارة العليا وضعت هذا المدير ليتفاعل وحده وبوجه الأحداث، ويتلقى الصدمات، ويترك لها الجلسات المريحة على المقاعد الوفيرة، وهي خصلة إنسانية يسعى لها الكثير ممن على مقاعد الإدارات العليا، حيث يظهرون بالشكل المحبب للموظفين، بينما القرارات الصعبة يأمرون الإدارة ” اللي تحت ” بتوقيعها والظهور بمظهر البرئ المحب لموظفيه، وهناك أيضاً حيل كوميدية كإقرار إجراء مالي معين ويكون هذا الإجراء على طريقة ” الموس فوق كل الرؤوس” ثم بعد إقرار قرار الموس، تبدأ أعمال الخير والاستثناء من لدن الإدارة العليا، والموظفين يصفقون للمكرمة والبادرة الكريمة، بينما يعلم كل عارف بأن القرار واقعياً صدر من الإدارة العليا ثم طلبت من المدير العام توقيعه!.
قس ما سبق على كثير مما نرى في الحياة، كم من مدير عام وضع في الوجه وهو حقيقة لا يملك قراره، وكم من إدارة عليا تظهر بمظهر المتواضعين المحبين للعاملين وهي في الواقع من أصدر وأمر بتنفيذ قرارات ملئت الشركات ضجيجاً وأثارت الجدل!.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ }-( سورة الرعد: 11 )