وداع أمي
خلفان بن ناصر الرواحي
كم هو صعبٌ علينا هذا الفراق يا أمي الغالية، وكم هو وقعه علينا لحظة الوداع والفراق؛ فهو ليس كأي فراق!
إنه يوم عصيب رغم أن الأمر مكتوب من رب الكون العظيم لا محالة، لكنَّ فقد الأم ليس سهلًا، فما أصعبه على قلوبنا وأرواحنا!
تلك إرادة الله وتدبيره للبشر، فهناك مولود ومفقود، ويختلف الأمر بين فقد وفقد، فمكانتك يا جنتي عالية، وتقصيري في حقك يؤلمني، ويشتت فكري، ويبعثر أوراق حياتي التي تشربت حنانك، ولحظة همسك وندائك باسمي، فكيف أنسى ذلك الصوت النابع من حجرة الجنان! وكيف أنسى فناء عمرك في تربيتي ورعايتي من صِغَري! وحرصك على السؤال عني والدعاء لي في حضرتي وغيابي؛ فيا لها من حرقة وغصة!
لو كتبت بعدد قطرات البحار والأنهار في حقك فلن أفيك، وتعجز أناملي في حياكة سلاسل الحروف في رد زفرة من زفرات ولادتي، وتعجز الكلمات في التعبير عن كل قطرة عرق تلطخت بتراب الأرض من أجل لقمة العيش، وتعجز الكلمات عن حصر تلك التضحيات من أجلنا؛ فما أعظمك يا أمي، وما أعظم الفقد!
ليس لي في ختام هذه الكلمات الخجولة إلا أن أختم بحروف قلمي من نبع قلبي بهذه الأبيات المتواضعة، والتي أقول فيها:
وداعك أمي هزّ الكيان
فراقك مُرٌ بطول الزمان
وداعك أمي وداع الفراق
وحزنٌ عظيمٌ أحقًا يُطاق؟!
رحيلك أمي رحيل الأمان
ونبكيك عُمرا عَمَارَ المكان
غيابك عنّا صعبٌ وشاق
فالقلب مني تَكَدَّرَ ضاق
فالأم لا شك نور وشان
والبيت فيها سكون أمان
والموت حقٌ والربُّ باق
فرحماك ربي يوم المساق
فيا رب لطفا بخير حنان
وهبها مقرًا بأعلى جنان
والطف بعبدك مما أحاق
فحزنٌ ألمَّ وزاد اشتياق
فاللّهمّ اغفر لها وارحمها، اللّهمّ أكرم نُزلها، ووسع لها مدخلها، وعافها واعف عنها، واغسلها بالماء والثلج والبرد، اللّهمّ نقّها من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، اللّهمّ اجعل الفردوس الأعلى دارًا لها ومستقرا، واجعل ذلك لوالدي وقرابتي، ولجميع المسلمين والمسلمات أجمعين.