سلطنة عُمان تحتفل بالعيد الوطني الرابع والخمسين المجيد المجيد
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

الهوية الوطنية.. الثابت والمتغير

خلفان بن ناصر الرواحي
‪ ‬
لقد ارتبط مفهوم الهوية منذ القدم بعدة أمور لها علاقة بالمكان والزمان، والثقافة والسياسة والانتماء العرقي والديني، كما أنها لم تخلُ من تداخلاتها مع بعض مبادئ المنطق والفلسفة اليونانية أيضا. وقد تباينت الآراء فيما يتعلق بموضوع الإنسان والهوية؛ فهناك التصور الماهوي الذي يعد الهوية جوهرًا ثابتًا، حيث تعرف الماهوية، بأنها “وجهة النظر القائلة إن لكل كينونة مجموعة من السمات الضرورية لهويتها ووظيفتها، حيث افترضت المثالية الأفلاطونية وهي بوصفها جزءًا من الفكر الغربي المبكر: أن لجميع الأشياء ماهية، أي فكرة‪ ‬أو صور”،‪ ‬بينما في الجانب الآخر طرح أفلاطون ومعه ابن سيناء النظرة الثنائية التي تقسم الإنسان إلى جسد، روح، مادة، نفس. وبناء على ذلك التقسيم نستنتج أن الهوية لا تتحدد بالجسد فقط وإنما بالنفس لأنها تتغير ومرتبطة بالشعور، وهو أمر مكتسب عن طريق الإدراك الحسي المتراكم عن الشخص، ومرتبطة عن طريق الوعي والذاكرة وربطها مع الأحداث ضمن سجل الحياة واستحضاره عبر الشعور.

كما أن المدارس تختلف في نظرتها بالنسبة للهوية، وانتقدت التصور الماهوي من حيث إن الهوية غير قائمة على عنصر ثابت، ويرى بعضهم أن أنه ليس هناك عنصر جوهري ثابت لدى البشر عامة، ولكل نظرته الخاصة من حيث التعريف والارتباط بالعقل والعوامل المرتبطة بحياة الشخص وثقافته وميوله، والبيئة، والدين، والعديد من العوامل الأخرى المرتبطة بحياة الإنسان. من هنا نلاحظ أن إشكالية الهوية الشخصية غير متفق عليها جملة وتفصيلا؛ فهناك من يراها ثابتة، وهناك من اعتبرها متغيرة بتغير الشخص نفسه.
أما فيما يتعلق بمفهوم الهوية في المجتمعات الإسلامية، وركائزها فإنها بلا شك تختلف عن النظريات المبنية على المادة البحتة فقط، والمرتكزة على مبادئ مقصورة بنظريات سلوكية، حيث يعد الدين الإسلامي بالنسبة للمجتمعات الإسلامية هو الهوية الأساسية والركيزة الأولى لبناء المجتمع، فهو بمثابة الانتماء الحقيقي الذي يعزز حياة المجتمع، ومن خلاله يتفاعل الأفراد فيما بينهم، فحينما يضعف التمسك بمرتكزاته والالتزام به في نفوس الأفراد فإنه بلا شك يؤدي إلى تدهور كيان المجتمع، وذلك لأن الهوية تعني كامل الانتماء بكل أبعاده المادية والمعنوية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وتدخل ضمنها اللغة العربية لارتباطها بمصدر الإسلام وهو القرآن الكريم. لهذا لا تقتصر الهوية في الإسلام فقط على الانتماء الوطني المرتبط بالعصبية أو القبلية أو العنصرية أو الجغرافية؛ فهكذا فإن هوية المسلم تتمثل في تمسكه ومحافظته على مبادئ ومرتكزات دينه الإسلامي، واعتزازه به، وتمسكه بتعاليمه التي تميزه بمنهجية الخيرية التي اختصه الله بها.

فمن خلال هذه النظرة الشمولية المختصرة عن الهوية الإسلامية، ومقارنتها بالمفاهيم الماهوية، وبعض النظريات الأخرى التي تطرقنا إليها في مقدمة المقال، فإن علينا أن نربي النشء على معتقدات ديننا الذي يميزنا عن معتقدات ومفاهيم لا تمت لنا بصلة، فالهوية الإسلامية تعتمد على ثلاثة مرتكزات أساسية وهي؛ العقيدة، واللغة العربية، والتراث الثقافي المرتبط بوجود الإنسان بفكره، وقيمه، وعاداته وتقاليده. فإذا ما تمسكنا بهذه المرتكزات المعتمدة جميعها على مصدري القرآن والسنة؛ فإننا سوف نكون ذا شأن عظيم يجعلنا نعتز بهويتنا، وعلينا ألا نقلد الآخرين بدعوى الاندماج والاختلاط مع ثقافات الشعوب دون التمسك بالقيم والمرتكزات المرتبطة بالدين الإسلامي الذي ننتمي إليه؛ فنصبح حينها بلا هوية.

لهذا علينا أن نهتم بالنفس والجوهر بما يلزمنا لنصبح كائنًا بشريًا ذا شخصية متزنة في الصفات العقلية والخلقية والنفسية، التي تتميز بمرجعيتها الربانية الثابتة والصحيحة المتمثلة في الوحي بمصدريه – القرآن والسنة النبوية- مع حرصنا على انتقاء المفيد من الروافد التاريخية واللغوية والثقافية المختلفة من غيرنا؛ فهي ركيزة أساسية، ولها دور مهم في بناء الهوية.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights