وابيضت عيناك حزناً يا مخا
أسماء الغبر المخينية
تغلبني الكلمات وتعجزني المعاني، ويحيرني الوصف في حزن داري وملجأ فؤادي على فراق سيدات الماضي العريق، لا أكاد أخفي نفساً وألماً في قلبي حتى تنتكس روحي خافية بألم أكبر، ففي هذا العام شيعت مخا أرواحا ثماني، وأسماءً جوهرية وكواكب قمرية، كانت تضيء ليلاً ونهاراً بعقلانيتها الراجحة، وعفويتها الصادقة، ورأيها المشهود، ففراق أمنا أم بدر أطفأ نوراً باهياً، وجمالاً سخياً، وقلباً صافياً. كانت كالشجرة تظل أحبتها بكل ود وعطف ورحمة، وكانت عذبة الحديث، هادئة الطباع، سكينة اللقاء، لا تسمع لها صراخاً ولا تجد لها جدالاً. رحلت كنجمة عانقت الليل الطويل، فاختفى ضياؤها في نهار أشرقت شمسه بشعاع من الحزن والرضى، فرحمة الله وعظيم لطفه على روحك الطيبة ونفسك الحليمة.
وكما يعلم الجميع ويشهد تراب مخا وأهلها، أن للخناجر اسماً جاور البلاليين لطفاً وعطفاً، وما زالت أكفّ التقدير تتصافح، وأجنحة المحبة مستمرة، تظلهم بظل الامتنان الوفير، والسلام الروحي الدائم، فسلام عليكم أهل خير وطيب وكرم.
وما إن انشق صباح اليوم السابع من فراق أمنا، صهل الحزن صهيلاً عميقاً، وهز عرش الفقد هزاً كبيراً، وطرق الموت بابه على زوايا بيت الغبر، لينتشل أفئدةَ مَن أحبَ الخناجر حباً جليلاً، ولك أن تسمع الأفواه الحزينة تقول: أرواحهن متوادة، فهنّ من جمع القدر حياتهن بالإخاء، وحتى في شقاء المرض والتنويم التقتا، أواهٍ يا أماه، وآهٍ يا فراق، وآهٍ من غصةِ ذات اليوم بجمرة أخرى، ولله صبراً، ورضى، ورُجعى.
وفي الأمس القريب كان ختاماً بلا ليل، لفراق مؤلم آخر، لأم رؤوف واسم خفيف، ولقب مستحق، امرأة طيبة المُلتقى، صفية المبسم، حانية القلب، نسمة تهواها القلوب، متواضعة لأبعد حد، أراها بإشراقة وجهها، وهدوء ملامحها، وقوة صمتها المبهج، لا اعتراض على ما شاء ربي، ولا راد على ما قضى، ولا مانع لما أعطى، فيا الله أمهاتنا بين يديك، وأنت الله الخير والرحمة والعطف، واللطف منك وإليك، فيا رب ارحمهن، وآنس وحدتهن، وأكرم نزلهن، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.