المتحف الوطني يدشن معرض وفعاليات “يوم عُمان” بمتحف دمشق الوطني
دمشق – العمانية
دشن المتحف الوطني اليوم معرض وفعاليات “يوم عُمان” بالمتحف الوطني بدمشق في إطار التعاون الثقافي والمتحفي بين المتحف الوطني والمديرية العامة للآثار والمتاحف التي تشرف على إدارة (5) متاحف وطنية، وفق مذكرة التفاهم التي أُبرمت بمسقط في العام (2019م).
وتُعد مبادرة “يوم عُمان” التي أطلقها المتحف الوطني عملا بما جاء في تحديد أهداف المتحف بموجب المرسوم السلطاني السامي رقم (62/ 2013م)، الصادر بتاريخ (20نوفمبر 2013م) من بينها: المشاركة في إبراز الموروث الحضاري والتاريخي والثقافي والعلمي لسلطنة عُمان على المستويات الإقليمية والدولية بهدف الوصول إلى شريحة واسعة من الجمهور في الخارج، وتنظم على نحو سنوي في أحد المتاحف العالمية العريقة.
يذكر أن هذه هي ثالث محطة للمبادرة المذكورة، فقد تم تدشين أول مبادرة بعنوان “يوم عُمان” بمتحف الإرميتاج العريق بروسيا الاتحادية في العام (2018م)، ليتوج هذا التعاون بتدشين قاعة تحمل اسم عُمان بقصر الشتاء القيصري في العام (2020م)، أما المحطة الثانية لهذه المبادرة، فكانت المتحف الوطني للفنون الجميلة بجمهورية بيلاروس في العام (2019م)، حيث جاءت سلطنة عُمان ضيف شرف بمناسبة مرور (80) عامًا على افتتاح المتحف المذكور، ويجري حاليًّا التفاوض بشأن استضافة هذه المبادرة في كل من المتحف الوطني للفنون الجميلة في مدينة ليون بالجمهورية الفرنسية، والمتحف التاريخي الوطني بجمهورية أوزبكستان.
وأشار سعادة جمال بن حسن الموسوي الأمين العام للمتحف الوطني إلى أن المعرض يحمل عنوان: “إضاءات عن عُمان”، “ويسلط الضوء على محطات بارزة في تاريخ عُمان عبر العصور منذ بزوغ فجر حضارة ماجان في الألفية الثالثة قبل الميلاد التي اشتهرت بصهر النحاس، وبناء السفن العابرة للبحار، مرورًا بحضارة الواحات في العصر الحديدي التي ظهرت خلالها براعة الهندسة العُمانية من خلال شق منظومات الري، أو الأفلاج، لتزدهر معها الأنماط الزراعية ونشوء حضارة أرض اللبان، وأضحت ملتقى للتجار من حضارات ما بين النهرين ووادي السند، ومصر الفرعونية، لتمتد لاحقًا إلى الشام ومنها إلى بيزنطة، وصولًا إلى إسلام أهل عُمان خلال العهد النبوي الشريف، لتؤسس عُمان نموذجها الفريد في الحكم الرشيد بعيدًا عن مركزية كلّ من الخلافة الأموية والخلافة العباسية، لتصبح صحار حاضرة بارزة على طول طريق الحرير البحري الرابط بين مشرق ومغرب حضارات العالم القديم، وإلى عهد الإمبراطورية العُمانية التي تأسست في القرن السابع عشر الميلادي إبان عهد الأئمة اليعاربة لتبلغ أوج اتساعها خلال القرن التاسع عشر الميلادي إبان عهد البوسعيد وعاصمتها زنجبار، إذ أسهمت التجارة الممتدة عبر الأزمنة وتواصل العُماني مع غيره، مؤثرًا فيه ومتأثرًا به في صياغة أشكال اللقى الأثرية المكتشفة في عُمان”.
ويزخر المعرض بالتنوع الثقافي، وتعد الصناعات الحرفية العُمانية تجسيدًا ملموسًا للماضي والحاضر وتوثيقًا لمختلف أنماط الحياة وتعبر عن القيم الثقافية التي تشتهر بها: ككرم الضيافة والجود، ويحتوي هذا المعرض على مجموعة مختارة من الأزياء التقليدية والحُلي، وغيرها من الصناعات الحرفية التي تلبي الحاجات الأساسية للبقاء بالإضافة إلى كونها من الأولويات الفردية والجماعية التي تعكس مظاهر الزينة والهوية.
وتأكيدًا على أهمية تجارة اللبان قديمًا في صياغة الحضارة الإنسانية عبر التاريخ؛ فقد تم إدراج أربعة مواقع أثرية في قائمة التراث العالمي لمنظمة (اليونسكو) وهي: مدينة البليد ومدينة “خور روري” (سمهرم) ومدينة شصر (أوبار) ووادي دوكة، ويبرز المعرض أيضا ملامح جمال اللغة العربية، حيث عرف العُمانيون ببلاغتهم، وفصاحتهم منذ العصر الجاهلي، وانعكست تلك البراعة والدقة في كتابة أجمل الأشعار والأمثال، ولم يكتف العُمانيون بجعل الخط العربي وسيلة من وسائل الاتصال فقط بل تعداها ليصبح فنًّا من الفنون التشكيلية البديعة، وعادة ما تقتبس تلك الأمثال والحكم من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، أو من قصائد الشعراء، أو من خواطر المفكرين وآراء العلماء.
وقال سعادة الأمين العام للمتحف الوطني “إن معرض وفعاليات ” يوم عُمان” بدمشق، يعد أول مبادرة من نوعها تستضيفها الجمهورية العربية السورية الشقيقة منذ سنوات الأزمة وأن اختيار سلطنة عُمان لنيل هذا الشرف دليل على ما تتمتع به من ثقة ومكانة خاصة لدى القيادة السورية والشعب السوري الشقيق، وتجسيدًا لعمق المشاعر الأخوية المتجذرة بالتاريخ”، ومواصلة تعزيز التعاون المشترك في المجالين الثقافي والمتحفي بين البلدين الشقيقين، والتعريف بالتجربة الحضارية العُمانية الضاربة في عمق التاريخ، وإبراز القواسم المشتركة التي جمعتنا منذ العصر الحديدي متمثلًا في مسالك اللبان التي امتدت من ظفار إلى تدمر وبصرى وحلب وغيرها من حواضر الشام وصولًا إلى بيزنطة، وإلى قيام الحضارة الإسلامية التي استظلت بها عُمان وسوريا لتقدما نماذج حضارية متميزة خاصة بهما، وصولًا للعلاقات الثنائية المتميزة في وقتنا الحالي”.
وتطرق سعادة الأمين العام إلى موضوع حفظ وصون اللقى السورية المتضررة خلال سنوات الأزمة بمسقط قائلا: “تم بحمد الله الانتهاء من حفظ وصون 100 قطعة أثرية ذات المدلول والبُعد التاريخي، فهذه الشواهد الأثرية تجسّد التاريخ الإنساني والإرث الحضاري ليس لسوريا فحسب، وإنما للإنسانية جمعاء، وتسليمها للجانب السوري خلال هذه الزيارة، لتكون تحت تصرفهم وفق الاتفاقيات القائمة بيننا”.
وأشار سعادة السفير السيد تركي بن محمود البوسعيدي، سفير السلطنة المعتمد لدى الجمهورية العربية السورية، إلى أن: “معرض وفعاليات “يوم عُمان” إضافة مهمة وخطوة تستحق الثناء على طريق التعاون الثقافي القائم بين البلدين الشقيقين”، مع تأكيده على: “استمرار الجهود لتوسيع مجالات التعاون المشترك بين سلطنة عُمان والشقيقة سوريا، لتشمل مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية”.
وأضاف سعادته أن : ” افتتاح معرض وفعاليات “يوم عُمان” في دمشق يأتي بالتزامن مع العيد الوطني الحادي والخمسين المجيد لنهضة عُمان، ليُشكل استمرارًا للعلاقات الوطيدة التي تربط البلدين وتحظى باهتمام وعناية بالغين من لدن مولانا حضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق وأخيه فخامة الرئيس الدكتور بشار حافظ الأسد /حفظهما الله/ ووفقهما لخير شعبيهما الشقيقين.
موضحًا أن سفارة سلطنة عُمان في دمشق تبذل جهودا حثيثة للارتقاء بالعلاقات من مختلف الجوانب وتتطلع إلى أن تشهد الفترة القادمة فعاليات ولقاءات وزيارات مُتبادلة بين الجانبين لترفع من مستوى العلاقات العُمانية السورية التي تطمح لها قيادتَا وشعبَا البلدين الشقيقين.
وفي إطار اللقاء الرسمي بين سعادة جمال بن حسن الموسوي ومعالي الدكتورة لبانة مشوّح، فقد قام الجانب العُماني بتسليم (100) قطعة أثرية سورية مما تضرر خلال سنوات الأزمة إلى الجانب السوري، بعد اكتمال عملية حفظها وصونها بمسقط، كما وقع الجانبان على ملحق اتفاقية لحفظ وصون الدفعة الثانية من المقتنيات السورية المتضررة خلال سنوات الأزمة.
وقام الوفد بجولة تفقدية إلى مدينة حلب القديمة المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة (اليونسكو) والوقوف على أعمال تأهيل بيت أجقباش.
يذكر أن المتحف الوطني شارك في نوفمبر 2019م في يوم الثقافة بالجمهورية العربية السورية، وتم عقد جولة مباحثات ذات طابع فني بمقر المتحف الوطني في دمشق؛ لمناقشة الجوانب الفنية والتنظيمية المتعلقة بحفظ وصون القطع المتحفية السورية المتضررة.
واستضاف المتحف الوطني في وقت سابق محاضرة بعنوان “جهود المحافظة على التراث الثقافي بالجمهورية العربية السورية”، ألقاها نظير عوض نائب المدير العام للآثار والمتاحف بالجمهورية العربية السورية، بحضور السفير السوري لدى السلطنة، وعدد من أصحاب السعادة سفراء الدول، والدبلوماسيين والمسؤولين والمهتمين بالآثار والمتاحف.
وقام الجانب السوري مطلع العام 2020م بإعارة أصل مخطوطة الملاح العُماني أحمد بن ماجد السعدي، لتكون متاحة للعرض المتحفي بقاعة التاريخ البحري، حيث خضع المخطوط للحفظ والصون بهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، وهو متاح اليوم للمشاهدة بالمتحف الوطني.
يشار إلى أن المتحف الوطني يُعد الصرح المتحفي الأبرز في سلطنة عُمان، والمخصص لإبراز مكنونات التراث الثقافي لعُمان بشقيه المادي والمعنوي منذ ظهور الأثر البشري في عُمان إلى يومنا؛ الذي نستشرف فيه مستقبلنا الواعد.
وقد أُنشئ المتحف الوطني بموجب المرسوم السلطاني رقم (62/ 2013)، وأصبحت له الشخصية الاعتبارية؛ بما يتوافق، والتجارب، والمعايير العالمية المتعارف عليها في تصنيف المتاحف العريقة. ويهدف إلى تحقيق رسالته التعليمية، والثقافية، والإنسانية، من خلال ترسيخ القيم العُمانية النبيلة، وتفعيل الانتماء، والارتقاء بالوعي العام لدى المواطن، والمقيم، والزائر، من أجل عُمان، وتاريخها، وتراثها، وثقافتها، ومن خلال تنمية قدراتهم الإبداعية، والفكرية، لاسيما في مجالات الحفاظ على الشواهد، والمقتنيات، وإبراز الأبعاد الحضارية لعُمان؛ وذلك بتوظيف واعتماد أفضل الممارسات والمعايير المتبعة في مجالات العلوم المتحفية.
من جهة أخرى يُعد المتحف الوطني بدمشق عميد المتاحف السورية وأحد أهم المتاحف العربية، فهو أكبرها وأقدمها وأشهرها ويشكل بأقسامه وحدائقه الواسعة متاحف عديدة ضمن متحف واحد، ويضم أبرز الآثار السورية المكتشفة في القرن العشرين.
وينظر الباحثون والدارسون العرب والأجانب إلى هذا المتحف على أنه مرجع توثيقي وتاريخي وحضاري على مستوى الشرق الأوسط والمستوى العالمي.
وافتتح المعرض والفعاليات المصاحبة تحت رعاية معالي الدكتورة لبانة مشوّح وزيرة الثقافة بالجمهورية العربية السورية وبمشاركة كلّ من معالي الدكتورة بثينة شعبان، المستشارة الخاصة في الرئاسة السورية ، ومعالي الدكتور فيصل المقداد، وزير الخارجية والمغتربين ، ومعالي الدكتور بطرس الحلاق وزير الإعلام ، ومعالي محمد رامي مرتيني وزير السياحة ، ومعالي حسين مخلوف وزير الإدارة المحلية ، وعدد من أعضاء مجلس الشعب السوري، إضافة إلى أصحاب السعادة السفراء ورؤساء بعثات الدول الشقيقة والصديقة، وممثلين عن الأمم المتحدة، وعدد من كبار المسؤولين والمهتمين بالجانبين الثقافي والمتحفي، وقد مثل الجانب العُماني سعادة جمال بن حسن الموسوي، الأمين العام للمتحف الوطني، وأعضاء البعثة العُمانية لدى دمشق.